عندما يعكس التعليم في مملكة البحرين عن جودة الحياة وما يتمتع به المجتمع البحريني، لابد بأن نستهل عن تاريخ التعليم في المملكة ودورها في النهضة التعليمية في المنطقة، وأقصد بها منطقة الخليج، وعن التنوير والوعي بأهمية التعليم وأهم ما يميّز شباب البحرين ثقافياً ووعياً في مناحٍ كثيرة في فترة الثلاثينات وما توالتها من سنوات إلى يومنا الحاضر.كون البحرين جزيرة تتوافد إليها ثقافات متنوعة أصبحت بموقعها الاستراتيجي مركزاً حيوياً للتجارة، فكان ذلك دوراً مهماً في الانفتاح مع العالم، ولا يتحقّق الانفتاح المُثمر إلا من خلال التعليم والتنوير في مختلف الأصعدة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، فلم يقتصر التعليم في المملكة من خلال الكتاتيب لتعليم أُسس القراءة والكتابة وحفظ القرآن، وإنما تأسست أول مدرسة تبشيرية في المنطقة في البحرين عام 1899 وهي مدرسة الرجاء وتُعرَف سابقاً باسم مدرسة الجوزة ثم مدرسة الإرسالية الأمريكية، حيث كانت مدرسة متعددة الثقافات لها دور مهم في تطوير التعليم للجنسين، ثم تأسست مدرسة الهداية الخليفة في منطقة المحرق عام 1919 للبنين، وهي تُعدّ من أقدم الأنظمة التعليمية في منطقة الخليج وكانت مركزاً مهماً في التعليم وأول انطلاقة تعليمية تعبّر عن احتياج المجتمع لمجموعة من المثقفين والمتعلمين تُسهم في بناء الوطن وتزدهر به، واكب ذلك تأسيس أول مدرسة حكومية للفتيات سنة 1928 وكانت أيضاً في منطقة المحرق، حيث تُعدّ المحرق آنذاك منارة للعلم والتعليم ومركزاً للمثقفين في مختلف المجالات، ولا ننسى بأن هناك بيوتاً بحرينية وعوائل عريقة ساهمت أيضاً في النهضة التعليمية للجنسين في المملكة والمنطقة وعزّزت من الوعي الثقافي مثل مدرسة عبدالرحمن المعاودة (مدرسة الإصلاح) التي تأسست في عام 1936 وهي من أوائل المدارس الخاصة، أما بيوت الزياني فكانت بيوتاً مفتوحة للتعليم وكان لها دور جليّ أيضاً في نهضة التعليم، ساهمت هذه المدارس في نشر المعرفة والوعي وتطوير المهارات المختلفة، فأقبل المجتمع البحريني على التعليم بنَهَم كبير، أخذت الحكومة على عاتقها مسؤولية تعليم الجميع من خلال تأسيس مدارس عديدة في مختلف المدن والقرى البحرينية. الإقبال على التعليم في مدارس المملكة لم يكن مقتصراً على البحرينيين فقط، وإنما حرصت بعض العوائل في دول المنطقة على إرسال أبنائها للتعلّم في مدارس البحرين والاستفادة من مجانية التعليم التي كانت ومازالت مفتوحة للجميع حيث كانت المملكة شعلة للعلم، وهذا ما دفع بالكثيرين من أبناء دول الخليج، منهم البحرين، إلى الحرص على التعليم ومواصلة الدراسة الجامعية في الخارج آنذاك في مصر والعراق ولبنان، وبذلك تَشَكّل الوعي الثقافي في المملكة وأصبح التعليم هو المعيار الأول لجودة الحياة. أدى التعليم أيضاً إلى تأسيس جمعيات متنوعة، حتى أصبحت مؤسسات المجتمع المدني تعي أهمية التنوير وكان لها الأثر الإيجابي في نهضة البحرين التعليمية أيضاً ونشر الثقافة، فكل ما سبق كان له دور عظيم في تقدّم المملكة اليوم وازدهارها كون التعليم عنصراً أساسياً ومهماً في تكوين الإنسان البحريني المثقف والمطّلع والذي يُقدّر العلم ويحرص على مواكبة المتغيرات في مناحٍ كثيرة، لأنه يعي تماماً ما يصقل فكره ووعيه وما يغذّي من علوم تنهض به وبوطنه ومجتمعه.