لا تختلف البحرين ومنطقة الخليج العربي عما يشهده العالم اليوم من تحديات اقتصادية متنامية متمثلة في إيجاد توازن يسير على حبل معقود بين قمتي جبلين شاهقين، فجميع دول العالم تسعى لأمور متشابهات، ما بين تحقيق معدل بطالة عادل، وصفر ديون، وتحول رقمي يواكب قطار التطور، وطاقة نظيفة تساهم في حفظ كوكبنا، وأيضاً استدامة مالية بتنويع مصادر الدخل «خاصة في منطقتنا النفطية»، واستقرار وازدهار يمكن رؤيته متحققاً في الجيل الحالي والأجيال القادمة، وكل ذلك ليس مجرد طموح، بل ضرورة تفرضها التغيرات العالمية المتسارعة.ولقد عكست زيارة الرئيس الأمريكي إلى منطقة الخليج ذلك الواقع، إذ حملت في طياتها أهدافاً اقتصادية واستراتيجية تتجاوز الأطر التقليدية للعلاقات الدبلوماسية، لتصل إلى عمق المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة ودول المنطقة، فالتعاون في مجالات الاستثمار، في الطاقة، والتكنولوجيا والتنمية المستدامة، أصبح محوراً أساسياً لهذه الزيارة، التي سعت منذ البداية إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية وتأمين مصالح الطرفين في ظل المنافسة العالمية المتزايدة.في هذا السياق، جاءت الكلمة السامية لجلالة الملك المعظم خلال القمة الخليجية الأمريكية لتؤكد المكانة الاستراتيجية التي تحتلها البحرين في المشهد الاقتصادي الإقليمي، حيث شدّد جلالته على أهمية توطيد العلاقات التجارية والاستثمارية مع الولايات المتحدة، على اعتبار أن البحرين تمثل بوابة اقتصادية لدول الخليج تُتيح فرصاً واعدة تُسهم في تحقيق التنمية المستدامة، وقد شكّلت هذه الرسالة دعوة مباشرة لتعزيز التعاون البحريني الأمريكي في مختلف المجالات، بما يُتيح للدول الاستفادة من الفرص الاقتصادية المُتاحة.إضافة إلى ذلك، فإن الكلمة السامية أبرزت رؤية البحرين في دعم السلام والاستقرار، حيث أشاد جلالته بسياسات الرئيس الأمريكي في تعزيز الحلول السلمية للنازعات الدولية، وهو نهج يتسق مع توجهات البحرين ودول الخليج نحو تحقيق الأمن الإقليمي عبر الدبلوماسية والحوار، كما تطرقت الكلمة إلى المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي من شأنها أن تُسهم في تعزيز الاستقرار الإقليمي، إلى جانب التحولات الإيجابية التي شهدتها سوريا عقب تخفيف العقوبات الاقتصادية عليها، وبما يعكس رغبة دول الخليج العربي في دعم التعافي الاقتصادي للدولة الشقيقة التي عانت من الأزمات.ولا يمكن إغفال التأثيرات السياسية والاقتصادية للأوضاع في غزة، التي تُمثّل أحد أبرز التحديات الدولية الراهنة، حيث أشار جلالة الملك إلى ضرورة إيجاد حلول عادلة لهذا النزاع بما يتماشى مع الرؤية الدولية لتحقيق الأمن والاستقرار، ومن هذا المنظور، فإن القمة الخليجية الأمريكية لا تُعدّ مجرد اجتماع دبلوماسي، بل فرصة لرسم مسارات جديدة من التعاون الاقتصادي والسياسي، بما يحقق مصالح دول الخليج ويؤثر بشكل مباشر على الاستراتيجيات العالمية.البحرين، بما تمتلكه من موقع جغرافي متميّز ورؤية اقتصادية طموحة، تلعب دوراً رئيساً في دعم هذه المساعي، حيث تؤكد هذه القمة أهمية الحوار الدولي في تحقيق التنمية المستدامة، وتشكيل نموذج اقتصادي قائم على التعاون والتكامل.ومع استمرار التحولات العالمية، تبقى البحرين ودول الخليج العربي في موقع يمكنها من التأثير الفاعل في المشهد الاقتصادي والدبلوماسي العالمي، لضمان مستقبل أكثر استقراراً وازدهاراً للمنطقة والعالم بأسره.
القمة الخليجية الأمريكية.. آفاق اقتصادية واستراتيجية ترسم مستقبل المنطقة
نورا الفيحاني
نورا الفيحاني