اليوم وفي ظل المتغيرات العديدة والمفاجئة التي يشهدها العالم، بالأخص في مجالات التحول الرقمي والتطور التكنولوجي، تقوم الدول الذكية بشكل مستمر ودوري بإجراء مراجعات تفصيلية لعملياتها، وتعمد لتقييم أدواتها التنموية الحالية، وبناء على ذلك تبحث عن الاستدامة والتميز.
التعليم والمعرفة، عناصر سحرية تغير من واقع أي مجتمع للأفضل إن تم التركيز عليها بشكل ذكي؛ فالتعليم ليس قطاعاً خدمياً، بل هو رافعة استراتيجية لإنتاج الكفاءات وتعزيز السيادة المعرفية.
من هنا، يمكن قراءة تجربة «مركز ناصر العلمي والتقني» في البحرين، باعتبارها خطوة نوعية نحو الاستثمار الجاد في العقول، وبوصلة لإعادة رسم العلاقة بين الشباب والتنمية.
إعادة إطلاق الهوية المؤسسية للمركز لم تكن مجرد تحديث بصري أو إداري، بل تحولاً مفاهيمياً يُعبّر عن طموح وطني يتجاوز التعليم الكلاسيكي نحو بناء منظومة متكاملة تؤهل الشباب البحريني للتفاعل مع متطلبات الاقتصاد المعرفي.
فلسفة المركز الجديدة، القائمة على التمكين، والريادة، والتفكير الابتكاري، تُعيد الاعتبار للتعليم كـ»قوة ناعمة» تصنع الفارق في مسار الدول، وتُمهّد لتحوّل مملكة البحرين من مستهلك للتقنية إلى شريك في إنتاجها.
ما يميّز المركز عن غيره من المبادرات التعليمية في المنطقة، هو توجهه نحو الدمج العملي بين التكوين الأكاديمي والتأهيل المهني المرتبط مباشرةً باحتياجات سوق العمل.
فالمسارات التعليمية التي يقدمها في مجالات الهندسة، والابتكار التكنولوجي، وإدارة الأعمال لا تقتصر على المعرفة النظرية، بل تنطلق من تصور واقعي للدور الذي يجب أن يلعبه الشباب في بيئة اقتصادية متغيرة.
وهنا، يظهر بوضوح التوجه نحو خلق نماذج من «روّاد التغيير» بدلاً من مجرّد خريجين تقليديين.
لا يمكن الحديث عن مركز ناصر دون التوقف عند البعد القيادي الذي مثّله سمو الشيخ ناصر بن حمد آل خليفة، رئيس مجلس الأمناء، ودوره المحوري في بلورة الرؤية المستقبلية للمركز.
فقيادته لا تقتصر على الجانب المؤسسي، بل تمتد لتشكّل نموذجاً عملياً في تفعيل مفهوم القيادة الشبابية التي تؤمن بقدرات الجيل الجديد، وتُخاطبهم بلغتهم، وتمنحهم المساحة ليكونوا جزءاً من عملية البناء لا مجرد متلقين للقرارات.
ومن منطلق السعي الجاد للتركيز على الابتكار والتعليم المتقدم، يمكن الجزم بأن البحرين، من خلال هذا المركز، توجه رسالة واضحة مفادها أن بناء الدولة الحديثة لا يتم فقط عبر تشييد البنية التحتية، بل عبر بناء الإنسان القادر على الإبداع والمنافسة.
ومن هنا، فإن مركز ناصر العلمي والتقني ليس مشروعاً تعليمياً فحسب، بل استثمار طويل الأمد في رأس المال البشري، وركيزة لتشكيل اقتصاد أكثر مرونة وابتكاراً واستدامة.
التجارب التعليمية الناجحة لا تُقاس بعدد البرامج أو الشهادات، بل بقدرتها على إحداث تغيير نوعي في وعي الأفراد، وفي بنية الاقتصاد الوطني.
ومركز ناصر العلمي والتقني، بهويته الجديدة ورؤيته المتقدمة، يضع البحرين في موقع متقدّم ضمن هذا السباق، ويُجسّد نموذجاً يمكن البناء عليه إقليمياً.