زينب زين الدين
بقراءة متأنية للمشهد الاقتصادي الوطني، والذي برز بشكل أكثر وضوحاً عبر مخرجات المنتدى الاقتصادي الذي أقامه مجلس الشورى تحت عنوان «نحو تنمية اقتصادية شاملة مستدامة» يمكننا توصيفه على أنه خارطة الطريق التي قدمت رؤى واضحة للمنظومة الهيكلية للاقتصاد البحريني بمنظوره المستدام.
ووفقاً للتحديات والفرص الاقتصادية في ظل معترك المنافسة الإقليمية والدولية التي تتجاذب من أجل استقطاب الاستثمارات ورؤوس الأموال، تأتي المواصفة الاقتصادية التي قدمها معالي الشيخ سلمان بن خليفة آل خليفة وزير المالية والاقتصاد الوطني بالمنتدى لتعبر عن منظور ثلاثي للعلاقة التكاملية فيما بين السلطة التنفيذية والتشريعية والقطاع الخاص كأقطاب رئيسة تحرك الاقتصاد الوطني من أجل الاستدامة ضمن الحدود الطموحة والآمنة الكفيلة بالانتقال من مرحلة التعافي الاقتصادي إلى مرحلة النمو والتقدم بالاقتصاد الوطني في مختلف محاوره الرئيسة.
إن استعراض معالي وزير المالية لمسيرة الاقتصاد الوطني الذي يتمثل بالرؤية الاقتصادية بين عامي 2004- 2024 بما تضمنته من تحديات وفرص وجهود لإقامة اقتصاد قوي قائم على الاستدامة والعدالة والتنافسية يعتبر مراجعة واقعية لما مر به اقتصادنا الوطني في ظل بيئة اقتصادية دولية متقلبة وغير مستقرة، والتي صمد فيها الاقتصاد البحريني خلال العديد من المتغيرات الاقتصادية، والتي عصفت بالعديد من الاقتصادات الدولية كما شاهدنا جميعاً.
ولعل أفضل ما نستشهد به على تعافي الاقتصاد الوطني هو ارتفاع نسبة إيرادات الدخل الاقتصادي من القطاعات غير النفطية من 83% كناتج محلي إلى 86% كمؤشر على نجاح السياسات الاقتصادية لبرنامج التوازن المالي، وأن الإيرادات الاقتصادية غير النفطية وصلت إلى 41% من الناتج الإجمالي.
كما قدم معاليه مقاربة للمرحلة الجديدة من التخطيط الاستراتيجي لاستدامة الاقتصاد الوطني على المدى الطويل، تتمثل بتغطية المصروفات المتكررة بنسبة 100% وذلك من أجل استدامة الإيرادات المالية العامة بالتوازي مع توسعة الإيرادات الحكومية ووضع آليات لتقليل الدين العام بالتدريج لتصل إلى أقل من 60%.
لقد قدم معاليه خارطة للتوجهات الحكومية خلال الفترة المقبلة لتحفيز قطاعات الاقتصاد الرئيسية المتمثلة بتنمية قطاع الخدمات المالية ومواكبة القطاع الصناعي بغية إحداث تغييرات إيجابية في الميزان التجاري الوطني، والاستفادة من قطاع التكنولوجيا والاتصال الرقمي وتنمية القطاع السياحي بشكل منافس واستقطاب مشاريع الخدمات اللوجستية لتكون أفضلية مقراتها بمملكة البحرين مع ضرورة توسعة الاستكشافات النفطية، لإحداث تغييرات اقتصادية ملموسة.
إن تشخيص معاليه يبرز حجم المسؤولية كضرورة للتناسق بين التشريع والتنفيذ وإشراك القطاع الخاص لتكامل العملية التنموية والحصول على مخرجات أبرزها تنمية العنصر البشري حيث أكد معاليه على أن تدريب وتأهيل أبناء الوطن للحصول على وظائف نوعية هو أولوية لدى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد الأمين رئيس مجلس الوزراء، كما تهدف المخرجات إلى مواجهة تحديات التضخم وسداد الدين العام، وهي مسؤولية كبيرة نرى بأن معاليه قادر على قيادة المرحلة الاقتصادية من أجل نمو الاقتصاد الوطني.
نحن اليوم أمام مسؤولية كبرى؛ لأننا سوف نكون أمام تحولات اقتصادية تستوجب تنفيذ الرؤية الطموحة التي استعرضها معاليه للعمل بجدية للمضي قدماً لبلوغ الرؤية الاقتصادية المرتقبة 2050 تعتمد على مقومات اقتصادية وطنية قوية لتنفيذ مزيد من المشاريع التنموية والخدمية وزيادة الدعومات المالية للمستحقين لضمان حياة كريمة ومستقرة اقتصادياً لجميع أبناء الوطن بعون الله.