في نهاية أبريل الماضي؛ نشرتُ عبر صحيفة "الوطن" مقالاً بعنوان "حتى لا تتكرر مآسي الصيف الماضي"، نبّهت فيه إلى ضرورة التحرك العاجل لتفادي تكرار حوادث الحرائق التي تكثر في فصل الصيف، بفعل ارتفاع درجات الحرارة وتأثيرها المباشر على التمديدات الكهربائية، لاسيما في المباني القديمة.
للأسف، ما حذّرنا منه لم يكن نبوءة بقدر ما كان واقعاً نراه يقترب كل يوم، وعلى مدار شهر كامل، تعاملت فرق الدفاع المدني مع عدد من الحرائق، كان آخرها الحريق الذي اندلع يوم الجمعة الماضي عند مدخل أحد المباني في منطقة النويدرات، والمخصّص لسكن عمالة وافدة، نتيجة تسرّب في أسطوانات الغاز.
وبينما تمكّن الدفاع المدني مشكوراً من إنقاذ أربعة أشخاص لجؤوا إلى سطح المبنى، من دون تسجيل خسائر بشرية، فإن الضرر المادي طال المبنى وعدداً من السيارات المجاورة، ليرفع مجدداً الصوت بالسؤال المؤلم: إلى متى؟
لا يمكن السكوت على واقع المباني القديمة التي تحولت إلى مساكن جماعية للعمال الأجانب، التي لا تخضع لأي معايير أو اشتراطات للسلامة، وتفتقر إلى أبسط سُبل الحماية من مخاطر الكهرباء أو الغاز أو حتى التهوية، فهي باختصار قنابل موقوتة قد تنفجر في أية لحظة لتحصد الأرواح وتخلّف المآسي، لا قدّر الله.
وما يزيد الأمر خطورة أن الكثير من هذه المباني يتم تقسيمها بشكل عشوائي، وغالباً ما تتكدس فيها أعداد كبيرة من العمال في غرف ضيقة، مع تمديدات كهربائية متهالكة وأسطوانات غاز تُخزّن بلا رقابة أو ضوابط، ما يجعل من مجرّد "شرارة" سبباً لكارثة.
هنا، لا مجال للتهرّب من المسؤولية، فالجهات المعنية مطالبة بتكثيف الرقابة الميدانية، ووضع خطة وطنية شاملة لإعادة تقييم وضع المباني القديمة، والتأكد من توافقها مع اشتراطات السلامة العامة.
كذلك، على ملاّك العقارات واجب قانوني وأخلاقي بإجراء الصيانة الدورية والتأكد من سلامة البنية التحتية في المباني التي يؤجرونها، خاصة إذا كانت مخصّصة لسكن جماعي، فكل تهاون في هذا الجانب هو مخاطرة بحياة بشر.
بموازاة الجهود الميدانية، لابد من إطلاق حملات توعوية موسّعة عبر مختلف الوسائل الإعلامية والمنصّات الرقمية، تستهدف المواطنين والعمال وأصحاب العقارات على حدٍّ سواء، وتركز على كيفية التعامل مع الأجهزة الكهربائية، وأهمية صيانة التمديدات، والطرق الصحيحة لتخزين الغاز، إضافة إلى التعرّف على الإجراءات التي ينبغي اتخاذها في حال نشوب حريق.
إضاءة...
تحقيقات حادثة النويدرات لاتزال جارية، والنتائج النهائية لم تُعلن لغاية كتابة هذه المقالة، لكن ما لا يحتاج إلى تحقيق هو إدراكنا لخطورة الوضع، والحاجة الملحّة لاتخاذ خطوات عملية وليس حملات موسمية لتفادي ما لا يُحمد عقباه.