هناك عدة مصادر لتقييم الأداء الحكومي، المصدر الأول هو التقييم الذاتي الذي يُقاس من خلال التصريحات الرسمية، وهناك تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، وهناك تقييمات غير رسمية تأتي إما من المجلس النيابي عن طريق الأدوات الرقابية، وإما عن طريق الصحافة ووسائل الإعلام، وإما عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، أو ما يدور في الجلسات والمجالس، والفارق بين هذه المصادر الثلاثة فارق كبير جداً ومتّسع جداً، وأحياناً يصل إلى حَدّ التناقض وكأنك تتحدث عن حكومتين أو دولتين مختلفتين.
ثم لدينا التصنيفات الدولية التي تقيس مساحة التنافس والشفافية والجودة والغطاء المالي والائتماني، وتلك أيضاً تجد نوعية تستعين بها الحكومة لإثبات جودة أدائها، وأخرى تنتشر لا تجد لها صدى في الإعلام الرسمي ولكن تنتشر كالنار في الهشيم على وسائل التواصل تلك التي لها مؤشرات سلبية على الأداء؛ لأنها تؤكد على وجهة النظر غير الرسمية.
ثم يصنّف الرأي العام تلك التقييمات بين متفائل ومتشائم ومداح ومتذمر متحلطم إلخ.. وفي النهاية لم نتمكّن من امتلاك صورة واضحة غير منحازة حيادية وموضوعية.
إن جئت إلى أرض الواقع، أي ما يتعامل معه الناس بشكل مباشر ويلمسونه لمس اليد، ويرونه بالعين المجردة، فإن أداء الحكومة في بعض خدماتها يُعدّ من أرقى وأكثر النوعيات جودةً وإتقاناً، ومدح تلك الخدمات كثيراً ما يأتي من المستهلكين أنفسهم، المواطنين، الذين يشيدون بها وبجودتها وسرعتها.
الأمر الثاني الذي نتمنى أن يؤخذ في الاعتبار حين التقييم، أنه حين تقييم أيٍّ من تلك الخدمات لا يجوز أن تؤخذ ككتلة واحدة، ففي خدمة كالإسكان عليك أن تضع عدة مؤشرات قياس، كالسرعة والنوعية والسعر والمدة الزمنية للدفع وآليات الدفع وووو إلخ.. حتى تُقيّم الأداء تقييماً موضوعياً، فإن أخفَقَتْ الإسكان في واحدة فلا نقل إن الخدمات الإسكانية تعبانة ثم أقارنها ببيوت حكومية لإحدى المدن الخليجية التي تبني بيوتاً بمساحات أرضية واسعة متوفرة وبأعداد لا تصل إلى 10% من التي تبنيها وزارة الإسكان عندنا في نفس الفترة، تلك مقارنات غير منصفة.
كذلك في الصحة، عليك أن تقيس مؤشرات الصحة العامة من جهة، ومؤشرات العلاج من جهة أخرى، والأخيرة أيضاً تُقسّم بين التشخيص وجودة الخدمات في المستشفيات الحكومية والأدوية والوقت والمسافة والإسعاف وووو، فلا يجوز أن ننسف الجهود المبذولة في خدمات في قطاعٍ ما لمجرّد وجود قصور في أحد أوجه ذلك القطاع.
الأداء الحكومي متنوع بين كونها مصدراً للخدمات (كهرباء وماء وغاز وإسكان وتعليم وضمانات اجتماعية) منها ما تحتكره الدولة ومنها ما هو مسموح بتداوله من القطاع الخاص، وبين كونها مصدراً للتنظيم والرقابة كسوق العمل والأنشطة الاقتصادية في القطاع الخاص، وهنا نسمع العديد من الانتقادات والشكاوى وتقييمات تخالف التصريحات الحكومية وتتناقض معها من أشخاص لهم ثقلهم في سوق العمل.
نحتاج أن يكون لدينا تقييم أكثر تفصيلاً ودقة وله مؤشرات قياس واضحة ومرجعيات معتمدة لنحدد أين نقاط قوتنا في الأداء الحكومي وأين نقاط ضعفنا، مما يُسهّل علينا عملية التقييم والرقابة في ذات الوقت، إنما بشكل مهني موضوعي لا يُهضَم فيه حقٌ ولا يُبالغ فيه في الصورة، فليس من المعقول أن تكون لدينا هيئات لقياس جودة التعليم وليست لدينا هيئات لقياس جودة الأداء الحكومي.
ومع الأسف، حتى هيئة قياس جودة التعليم جُرِّدت من صلاحياتها ولم تعد لها ذات القوة والصلاحيات التي وُضِعَتْ في أول أيام التأسيس!!