بينما يشهد العالم تحولات اقتصادية كبيرة وتحف منطقتنا تحديات متنامية، فقد جاء «منتدى باب البحرين 2025» الذي نظمته غرفة صناعة وتجارة البحرين، كمبادرة استراتيجية تهدف إلى تعزيز الاقتصاد الوطني، وترسيخ نموذج متطور للشراكة بين القطاعين العام والخاص.ولا يمثل المنتدى مجرد ملتقى اقتصادي عابر، بل يعكس توجهاً جديداً نحو الحوار البنّاء وتبنّي حلول اقتصادية مبتكرة تستند إلى أسس الشفافية والتعاون، ولعل أحد أبرز مخرجات المنتدى هو تجاوزه النموذج التقليدي للعلاقة بين الحكومة والقطاع الخاص، حيث فرض الأخير نفسه شريكاً رئيساً في صياغة السياسات الاقتصادية.ولقد سمح خبراء «الغرفة» لأنفسهم بتشخيص التحديات الاقتصادية بواقعية، حيث تمّ تناول قضايا هم أكثر الناس علماً بها، ولذلك رأينا ضمن التوصيات الأخيرة للمنتدى، إطلاق مبادرات تهدف إلى تبسيط الإجراءات وزيادة دعم المشاريع الناشئة.هذا الأسلوب التشاركي يعزّز من قدرة اقتصاد المملكة على الاستجابة السريعة للتحولات العالمية، لأن الحلول التي تُسند إلى حوار مفتوح بين صُنّاع القرار وأصحاب الأعمال تُتيح تنفيذ إصلاحات أكثر واقعية وفعالية، وقد أكد المنتدى التزامه برؤية البحرين الاقتصادية 2030، التي تهدف إلى خفض الاعتماد على النفط وتنويع مصادر الدخل عبر تطوير قطاعات حيوية مثل التكنولوجيا المالية، والخدمات اللوجستية، والسياحة.والمميز هنا أن المنتدى لم يكتفِ بطرح رؤية بعيدة المدى، بل كشف عن خطط تنفيذية ملموسة تتضمّن مشاريع للبنية التحتية الرقمية وتسهيلات ضريبية لتحفيز الاستثمار، فكانت قضية التحوّل الرقمي محوراً أساسياً للنقاش، حيث تمّ الإعلان عن شراكات جديدة لتطوير الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء في القطاع الصناعي، مما يدعم الإنتاجية ويعزّز مكانة البحرين كمركز إقليمي للصناعات الذكية.ولم يكن ليفوت كبار المسؤولين في غرفة صناعة وتجارة البحرين، فرصة التنويه بالدور الحيوي للشركات الصغيرة والمتوسطة، فهم أصلاً يعتمدون عليها كثيراً في نمو أعمالهم اليوم، ولذلك جاءت مبادرة توفير البرامج التدريبية بالتعاون مع مؤسسات أكاديمية لتعترف بأهمية تلك المؤسسات، ولتردّ لهم الجميل بإتاحة تسهيلات تمويلية تدعم المبتكرين من رواد الأعمال.وهذا التوجه لا يعتبر مجرد دعم اجتماعي، بل يمثل رؤية اقتصادية قائمة على تعزيز المرونة الاقتصادية، حيث تؤكد التجارب العالمية أن الاقتصادات الأكثر استدامة تعتمد على قاعدة متنوعة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة.ومن ضمن ما تطرق إليه المنتدى هو قضية «الاقتصاد الأخضر» وأهمية إدماجه ضمن خطط ومشاريع المستقبل، عبر طرح مشاريع للطاقة المتجددة وتطوير المدن الذكية، وذلك لأن هذا النهج يتماشى مع التوجهات العالمية، ويمثل في الوقت ذاته فرصة اقتصادية واعدة، إذ تشير التوقعات إلى أن الاستثمارات البيئية ستصبح أحد المحركات الأساسية للنمو الاقتصادي خلال العقد المقبل.ولذلك أرى من وجهة نظر اقتصادية، أن منتدى باب البحرين 2025 بات يعكس نضجاً في طريقة التعامل مع التحديات الاقتصادية، بانتقاله من مرحلة طرح الأفكار إلى التنفيذ الفعلي، وهو ما يعزّز من فرص نجاح المبادرات المطروحة، لكن التحدي الأكبر يكمن في ضمان استمرارية هذا النهج التشاركي، عبر المتابعة الدقيقة لتنفيذ مخرجات المنتدى، والحفاظ على قنوات الحوار المفتوحة بين الحكومة والقطاع الخاص.في عالم تتفوق فيه الدول التي تعمل فيها الحكومات والقطاع الخاص كفريق واحد، تُثبت البحرين أنها تسير على الطريق الصحيح، وإذا استطاعت «الغرفة» تحويل هذه الخطط إلى واقع ملموس خلال السنوات القليلة المقبلة، فإن المملكة لن تكتفي فقط بتعزيز موقعها الاقتصادي إقليمياً، بل ستشكّل نموذجاً يُحتذى به في كيفية بناء اقتصاد قائم على الابتكار والشراكة الفعّالة.
منتدى باب البحرين.. عمل تشاركي بمفهوم جديد
نورا الفيحاني
نورا الفيحاني