غازي الغريري

يتصادف نشر مقالي مع أول أيام عيد الأضحى المبارك، هذا العيد الذي يحمل معاني الطاعة والتقرب إلى الله في موسم الحج الذي يجتمع فيه المسلمون من شتى بقاع الأرض في أطهر مكان هو مكة المكرمة ليأدوا مناسكهم وسط أجواء إيمانية ومشهد مهيب يجسّد وحدة الأمة الإسلامية، وكما كل عام تُقدّم المملكة العربية السعودية مثالاً في دقة التنظيم والاستقبال لضيوف الرحمن بدءاً من استقبال الحجاج وحتى عودتهم، وهي جهود كبيرة تقوم بها المملكة في عملية التفويج والتنقل وتوفير الرعاية الصحية والخدمات لضيوف الرحمن من أجل راحة وسلامة الحجاج وتهيئة الأجواء الآمنة والمريحة لهم حتى يتمكّنوا من أداء مناسكهم بكل طمأنينة وخشوع. وحقيقة، مهما نكتب لا يمكن أن نُنصف ما تقوم به السعودية من تنظيم احترافي في إدارة الحشود المليونية، ولكن الخبرة لها دورها في ذلك والتفاني والجهود الكبيرة في خدمة ضيوف الرحمن وتسخير كافة الإمكانيات، حتى ينعم الحجاج بالأمن والأمان.ويأتي عيد الأضحى متزامناً مع فرحة الطلبة والطالبات في مختلف المراحل الدراسية بنتائجهم التي نشرتها وسائل التواصل الاجتماعي للصحف بصور المتفوقين والمتفوقات، وقد كانت لحظات فرح واعتزاز لأولياء الأمور بتفوق أبنائهم، وشاهدنا مظاهر ذلك الفرح والبهجة والعطاء والامتنان في الفيديوهات التي انتشرت للطلبة وأولياء أمورهم، لكن وللأسف وسط هذه الفرحة أفسدت بعض التعليقات المسيئة التي ظهرت وهي تتعرّض للطلبة المتفوقين والإساءة لأصولهم أو جنسياتهم، وهذا السلوك في الواقع لا يُمثّل أخلاق الشعب البحريني الأصيل المعروف بطيبته وتسامحه وتقبّله للآخر وهي صفة اشتُهر بها البحريني بين دول الخليج وحتى على مستوى الوطن العربي بل والعالم، فالبحرين كانت ومازالت تحتوي الجميع وتتقبّل الآخر وإن كان مخالفاً لنا في الدين واللغة والثقافة، فما بالك بمن يجمعنا معهم دين وعروبة ومصير مشترك؟! فهذه الأصوات النشاز لا تعبّر إلا عن نفسها، وعلينا جميعاً أن نقف ضدها من أجل الحفاظ على وحدة المجتمع والقيم النبيلة.حقيقةً، ونحن في هذه الأيام المباركة في العشر الأول من شهر ذي الحجة وأيام العيد، هي مواسم تؤلف القلوب وحب الخير بين الناس، كما أنها محطة نراجع فيها أنفسنا، لا أن نرى البعض من الذين أصبحت قلوبهم سوداء يملؤها الحقد والحسد، وهذا ما ينعكس ليس فقط على التعليقات المسيئة التي ظهرت في بعض المنصات، ولكن أيضاً نرى من يُطلق على نفسه ناشطاً ويتقمّص دور الملاك ويُسيء لبعض الفئات ويصفهم بصفات لا تتماشى مع القيم البحرينية الأصيلة في التسامح والاحترام والتعايش، فالمجتمع البحريني هو مجتمع معروف بتنوّعه وتلاحمه، لذلك لابد من أن نكون معول بناء ونموذجاً يُحتذى به في التكاتف والوحدة بعيداً عن كل ما يفرّق أو يُسيء لأي فئة أو مكوّن، فالجميع يعيش على هذه الأرض الطيبة التي تحتضن الكل دون تفرقة، ولنجعل من هذه الأيام المباركة دافعاً لمزيد من المحبّة والوعي، ولنكرم من يستحق ونقدّر جهود المخلصين الذين خدموا البحرين في مختلف المجالات وعلى كافة الأصعدة، وأن نتجاوز الأصوات السلبية التي لا تمثل إلا نفسها، فالبحرين تتسع للجميع، فلا تُبنى الأوطان وتعلو المجتمعات إلا بالاحترام وتقدير الناس وعدم التقليل من أحد، فهذه ليست عادات أهل البحرين الكرام.همسةفرحون هذه الأيام بعيد الأضحى المبارك ونحن نحتفي بالحجاج المتوجهين بقلوبهم نحو الله، وفرحون بالطلبة المتفوقين سواء أكانوا بحرينيين أو غيرهم، فلكل مجتهد نصيب مهما كانت جنسيته أو لهجته، وأجزم أن أغلب شعب البحرين يرفض التفرقة ويسعى لبناء جسور المحبة بين الجميع، ومن يشتم لا يُسيء إلا لنفسه.