العنوان أعلاه، لشطر البيت الشهير لامرئ القيس، والذي قصد به مدح جواده في دلالة على قوته. لكنني هنا سأستخدم وصف «الجلمود» والمعني به الصخر الصلد لأسقطه على السطور أدناه، ناصحاً من خلالها القياديين وأصحاب المسؤوليات بألا يكونوا «جلاميد» كالصخور، لكن في جانب معين.

اليوم لم يعد تقييم المسؤولين محصوراً في قدرتهم على اتخاذ القرارات أو تحقيق المؤشرات الرقمية، بل اتسعت دائرة التقييم لتشمل بُعداً أكثر حساسية، وأعني قدرتهم على بناء علاقات صحية ومستقرة مع فرقهم. وفي هذا الإطار، يظهر التعامل بالفوقية كواحد من أكثر السلوكيات التي تُضعف الثقة وتعرقل الأداء الجماعي. وعلى الرغم من أن بعض القادة قد يمارسون هذا السلوك بدافع الثقة الزائدة أو دون وعي كامل بتأثيره، إلا أن نتائجه غالباً ما تكون مدمرة.

الفوقية في محيط العمل لا تُقرأ على أنها حزم أو قوة شخصية، بل تُفهم في الغالب على أنها استخفاف بالآخرين وتقليل من شأن مساهماتهم. هذه الديناميكية تؤدي إلى فتور العلاقات وتآكل الثقة داخل الفريق، كما تقوّض الحافز، وتُضعف الروح المعنوية. الموظف الذي يشعر أن رأيه غير مقدّر، أو أن تفاعله يُقابل بالتجاهل، لن يستمر في بذل الجهد أو المشاركة الفعالة. وبمرور الوقت، يتحول مكان العمل إلى بيئة طاردة للمبادرة والإبداع، ما ينعكس سلباً على جودة القرارات ومستوى الأداء العام.

السلوك المتعالي يعزل القائد تدريجياً عن الواقع. وعندما لا يشعر أعضاء الفريق بالأمان للتعبير عن ملاحظاتهم أو اعتراضاتهم، يصبح القائد محاطاً بصدى صوته فقط. ويؤدي هذا إلى بناء تصورات غير دقيقة واتخاذ قرارات غير مدروسة، قائمة على معلومات منقوصة أو مجاملة مفرطة.

التواضع اليوم من أهم السمات القيادية في المؤسسات التي تسعى لبناء ثقافة صحية ومستدامة. القائد المتواضع لا يُقلل من مكانته، بل يُدرك حجمها، دون أن ينكر أدوار الآخرين. هذا النمط من القيادة يخلق مساحة للعمل المشترك، حيث يشعر كل فرد بقيمته، ويُدرك أن صوته مسموع. كما أن الإصغاء الحقيقي لملاحظات الفريق، خصوصاً تلك التي تتعارض مع رأي القائد، يُعبر عن نضج مهني وذكاء عاطفي أكثر من كونه ضعفاً أو تردداً.

الأمر لا يتوقف عند أسلوب التواصل، بل يمتد إلى التفاصيل اليومية التي تصنع الفارق في الثقافة المؤسسية. كلمة شكر في وقتها، أو اعتراف بالخطأ دون تبرير، قد تكون أقوى أثراً من أي حافز مادي. والقائد الذي يعترف بأخطائه لا يفقد سلطته، بل يعزز مصداقيته، ويُظهر لفريقه أن المساءلة تبدأ من الأعلى.

الرهان على الهيبة المصطنعة والتمايز الشكلي لم يعد مجدياً في بيئة العمل الحديثة. وفي زمن أصبحت فيه الشفافية والتمكين قيماً أساسية، يفقد القائد المتعالي قدرته على التأثير الفعلي.

لنتذكر، النجاح لم يعد يُقاس بمن يعلو على فريقه، بل بمن يستطيع أن يرتقي بفريقه بأكمله.