ما الذي في حياتنا يسير في الاتجاه الصحيح؟ وهل قراراتنا دائماً ما تكون متجهة إلى الصواب؟ وهل تسير بنا الخطط التي رسمناها نحو نهاية الخط الذي حددناه؟ لماذا إذا نستنكر ما حدث قبل أيام من حوادث لأشخاص كانوا يسيرون عكس السير؟ هل كانت أحداثاً فردية أم هي ظاهرة بدأت تنتشر؟ أم هي حالة واقعية لحياة مليئة بالاتجاهات الخاطئة؟ وما تلك الحوادث التي غزت شوارعنا إلا انعكاساً لواقع يعيشه العديد منا؟!
قبل أن نحاسب من سار عكس السير، علينا أن ندرس هذه الظاهرة علمياً ونحللها، لعلها تقودنا إلى مشكلة أكبر إن لم تكن مشاكل، فما حدث وبغض النظر عن كونها ظاهرة مرورية، وكادت تودي بأرواح بريئة، لكنها لربما تكون مرآة لحياتنا اليومية التي تسير بنا عكس الاتجاه، فاختلاف الاتجاهات نعيشه يومياً في منازلنا، ونعيشه في محيطنا المجتمعي، ونعيشه في رياضتنا، وفي مجالسنا، وحتى في أسواقنا، بل حتى في السياسة الدولية هناك الكثير من يسير عكس الاتجاه.
استفحال هذه الظاهرة يحتم علينا إعادة النظر في الكثير من سلوكياتنا التي ساهمت في سيرنا عكس الطريق، فلو كنا في الاتجاه الصحيح لما تلاعب بنا بعض التجار بتغيير تاريخ صلاحية المنتجات الغذائية، ولما تلاعبت بنا بعض المؤسسات التجارية بأسعار المواد الاستهلاكية، ولا كنا هدفاً سائغاً للفشينستات الذين أفسدوا ذائقتنا، واستهدفونا بإعلانات عن منتجات لا تصل حتى إلى مرحلة الكماليات ليعتبرها بعضنا أساسيات لا غنى عنها في الحياة اليومية.
إن كنا سنحاسب من يسير عكس السير، فلنحاسب أنفسنا في المقام الأول على الجرائم التي ارتكبناها بحق أنفسنا وأبنائنا؛ لأننا كنا في المقدمة، وسرنا بهم عكس السير وعكس الاتجاه، نحن من تسلخ عن عاداته، وتطبعنا بعادات غريبة علينا، ونحن من يتابع ويتفاعل بعض التوافه على ساحات التواصل الاجتماعي، حتى باتوا قدوة ومثل أعلى، نحن من أهمل احترام القوانين والأنظمة، حتى أهملتها الأجيال من بعدنا.
نعم للمحاسبة، ولكن لتكن محاسبة شاملة، فلا نجزئ الخطأ، ونختار ما يحلو لنا منها لنحاسب مرتكبيها، ونغض الطرف عن الباقي؛ لأنها لم تتحول لقضايا رأي عام، فلتكن تلك المركبات وسيرها عكس الاتجاه بداية لتصحيح الكثير من الأخطاء.