- في عصر السرعة والمحتوى اللحظي، لم تعد الأخبار أو المواقف تتطلب وقتاً لتنتشر. مشهد عابر، موقف جزئي، أو حتى مقطع فيديو لا تتجاوز مدته ثوانٍ، قد يتحول فجأة إلى حديث الناس، ويصبح محور تفاعل في منصات التواصل الاجتماعي، حتى ولو كان مشوهاً أو منقوصاً. يتفاعل الجمهور مع ما يرونه، ويتناقلونه بسرعة، ليولد ما يُعرف اليوم بـ«الترند».
- هذا المصطلح لم يعد مجرد ظاهرة عابرة، بل أصبح معياراً لشهرة الكثيرين، وبوابة لفرص أو أضواء قد تكون مؤقتة. والمفارقة أن كثيراً من هذه الترندات تقوم على أحداث مألوفة، لكن نقلها بشكل مثير أو مبتور هو ما يمنحها طابع «الحصرية»، فينجذب الناس إليها، وكأنها أمر غير مسبوق.
- ومن الجدير بالذكر أن تطبيقات التواصل الاجتماعي أصبحت اليوم جزءاً لا يتجزأ من حياة الأفراد، بل إنها في بعض الأحيان تحلّ محلّ الماء والهواء في أهميتها لدى البعض. لا يستطيع كثير من الناس قضاء يومهم دون الاطلاع على جديد هذه المنصات، لاسيما ما يتعلق بالمقاطع المثيرة للجدل، والتي تحصد ملايين المشاهدات وتُشعل الرأي العام.
- «الترند» تحوّل إلى منافسة يومية غير معلنة، يخوضها المستخدمون بهدف نيل لقب الشهرة اللحظية. ومع هذا، يجب أن نُدرك أن لكل ترند وجهين: أحدهما نافع، قد يُستخدم لنشر الوعي أو تعزيز القيم الدينية والعلمية، والآخر ضار، يُستغل لتشويه المفاهيم أو بث سلوكيات مرفوضة. ولعلّ أبرز صور التأثير السلبي، هو ما نلاحظه من تغيّر في سلوكيات بعض أفراد الجيل الجديد، الذين باتوا يقتبسون تصرفاتهم من محتويات غير هادفة، تُسهم في هدم ما تبنيه الأسر من تربية وقيم.
- ومن هنا، لابد أن نُعيد النظر في تعاملنا مع هذه الظاهرة. لا ينبغي أن نعرّض أنفسنا لمواقف، سواء عن قصد أو بغير قصد، بهدف لفت الأنظار أو حصد الإعجابات. فليس كل شهرة تُبنى على موقف عابر تُعد إنجازاً. القيمة الحقيقية للإنسان تكمن في سمعته وأخلاقه وعطائه، لا في اسمه المتداول لساعات أو أيام.
- كم من أشخاص لمعوا فجأة بسبب «الترند»، ثم اختفوا بعد وقت قصير لأنهم لم يبنوا مجدهم على أساس متين، بل على ضوء زائف لم يدم. الشهرة الحقيقية لا تأتي من مصادفة أو مقطع فيديو، بل من مسيرة تعب، وعمل، وجهد مستمر.
- إن التعلق المفرط بكلمة «الترند» قد يقتل الطموح قبل أن يولد. فلنصنع لأنفسنا قيمة تبقى، لا وهماً يزول مع أول موجة نسيان.