استيقظت المنطقة والعالم، فجر يوم الجمعة الماضية، على أخبار اندلاع مواجهة إسرائيلية-إيرانية، بعد هجوم ليلي استهدف عدداً من المواقع العسكرية والمنشآت النووي الإيرانية، إضافة إلى اغتيال عدد من كبار قادة القوات المسلحة والحرس الثوري ومجموعة من العلماء العاملين على البرنامج النووي.
ولم يكد يوم الجمعة ينقضي؛ حتى جاء الرد الإيراني بثلاث موجات رد، تضمنت مئات المسيرات والصواريخ البالستية والفرط صوتية، والتي استهدفت عدداً من الأهداف في مختلف أنحاء إسرائيل، ما يؤشر إلى أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة، ستتشكل تبعاً لنتائج المواجهة، والتي من المتوقع أن تتوسع.
مشهد يذكرنا بأن الشرق الأوسط، رغم كل محاولات البناء، لايزال يقف على حافة هاوية، يكفي فيها شرارة واحدة لتندلع نيران لا تُبقي ولا تذر.
الهجوم الإسرائيلي على إيران وما تبعه من رد، فتحا بوابة موصدة نحو سيناريوهات قاتمة، في أقل من أربع وعشرين ساعة، بدا أن لغة الصواريخ تسحب بساط الكلام، وأن لغة الحرب تهدد بابتلاع ما تبقى من الحلم.
لكن، في هذا المشهد الملبّد بالخوف يطل صوت مختلف؛ صوت يعرفه الخليجيون والعرب والعالم، إنه صوت البحرين، كما عهدناها، تقف على الضفة الأخرى من الانفعال، تمسك بزمام الحكمة وتلوح ببيارق التهدئة.
موقف مملكة البحرين لم يكن رد فعل عابر، بل انعكاساً لرؤية ثابتة رسخها جلالة الملك المعظم حفظه الله ورعاه، منذ سنوات، رؤية تؤمن أن السلام ليس شعاراً يتمّ استخدامه وقت الأزمات، بل مسار طويل تُبنى عليه خيارات الدول ومصير الأجيال، فحين استقبل جلالته أعضاء مجلس الدفاع الأعلى، لم يكن ذلك اجتماع أزمة فقط، بل لحظة تأكيد على أن البحرين، مهما تعقدت الظروف، تظل بوصلتها ثابتة نحو الحوار وضبط النفس وتغليب لغة السياسة على منطق المواجهة.
لقد أدركت البحرين، وهي التي عاشت ويلات الصراعات من حولها دون أن تنجر إليها، أن الشعوب لا تريد المزيد من الدمار، بل تبحث عن بارقة أمل، نافذة تطل منها على مستقبل مختلف، بعيداً عن الدخان والأنقاض، ولذلك جاءت إدانتها للهجوم الإسرائيلي ودعوتها لوقف التصعيد فوراً، كموقف أخلاقي قبل أن يكون دبلوماسياً، وكصرخة إنسانية من دولة عرفت كيف تحرس سلمها الأهلي وتمنحه للعالم مثالاً يُحتذى.
وفي زمن الإشاعات والهلع الرقمي، لم تغفل البحرين عن الداخل، فكانت وزارة الداخلية صريحة في تأكيدها على أهمية التماسك المجتمعي، والتحلي بالوعي، والاعتماد فقط على القنوات الرسمية. إنها ليست مجرد نصيحة أمنية، بل دعوة لحماية السلام الداخلي من القلق الجماعي، ومن الأخبار المفبركة التي قد تهز ثقة الناس قبل أن تهز استقرار الدولة.
الإجراءات الاستباقية التي اتخذتها البحرين، والمؤسسات الأمنية التي تعمل بهدوء ودقة، ليست لحظة طوارئ، بل هي امتداد لمنهج راسخ يضع حياة الناس وكرامتهم في قلب القرار السياسي والأمني.
لقد قدمت البحرين، بصوتها المتزن، صورة مختلفة عن الخليج العربي، صورة دولة صغيرة بمساحتها كبيرة برؤيتها، دولة اختارت منذ البداية أن تكون جزءاً من الحل، لا وقوداً للصراع، وأن تكون جسراً بين الضفتين لا طرفاً في المعركة.
في عالم يزداد فيه الصخب، تظل الحاجة ملحّة لصوت هادئ عاقل، يذكّر الجميع أن البديل عن الحوار هو الخراب، وأن أغلى ما تملكه الأوطان ليس ترساناتها، بل وعي شعوبها ورصانة قادتها.
وهذا ما فعلته البحرين.. ومازالت.