تعيش المنطقة، منذ يوم الجمعة الماضي، لحظة حساسة من تاريخها الحديث، بعد اندلاع المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران، معلنة تحولاً استراتيجياً في ميزان الصراع الإقليمي.

وفي مثل هذه الظروف الاستثنائية، تتجه الأنظار إلى قدرة الدول على حماية أمنها الوطني وضمان استقرارها الداخلي، حيث مثلت مملكة البحرين نموذجاً متميزاً الجاهزية والتخطيط، إلى جانب رهانها الأهم على الوعي الجمعي للمواطنين والمقيمين على أرضها.

فمنذ الساعات الأولى تحركت الدولة بمختلف مؤسساتها، وهو ما توضحت ملامحه في اجتماع اللجنة الوطنية لإدارة الطوارئ المدنية، حيث تم التأكيد على تفعيل الخطة الوطنية للطوارئ بكافة مكوناتها التشغيلية واللوجستية، وتعزيز التنسيق بين الجهات الأمنية والخدمية، كما تم استعراض السيناريوهات المحتملة، ورفع درجات الجاهزية الميدانية، مع مراجعة المخزون الاستراتيجي من الغذاء والمياه والدواء والوقود، وضمان توفر الإمكانيات الطبية والإيوائية، في مشهد يعكس الجدية والمسؤولية.

ولأن الأمن لا يكتمل إلا بتأمين احتياجات الناس؛ فقد أكدت وزارة الصناعة والتجارة أن الأسواق المحلية تخضع لرقابة مشددة، داعية التجار إلى التحلي بالمسؤولية وعدم استغلال الظرف برفع الأسعار أو احتكار السلع، مع التأكيد على أن السلع الأساسية متوفرة، ولا حاجة لأي سلوكيات اندفاعية كالتخزين أو الشراء المبالغ فيه، وهو ما يتطلب استجابة عقلانية من المواطنين، تترجم الثقة بالإجراءات الحكومية.

من جهة أخرى، وفي إطار الحرص على سلامة المسافرين، أعلنت شركة طيران الخليج عن إلغاء أو إعادة جدولة عدد من رحلاتها إلى وجهات متأثرة بالتطورات الأمنية، مؤكدة أنها تضع سلامة الركاب والطاقم على رأس أولوياتها، وتتخذ إجراءات بديلة لضمان راحة المسافرين المتضررين، وتأتي هذه الخطوة في سياق نهج احترازي يتماشى مع رؤية الدولة في تقليل المخاطر في ظل الظرف الإقليمي.

وفي السياق ذاته، دعت وزارة الخارجية المواطنين المتواجدين في مناطق التوتر إلى توخي الحيطة والحذر، والتواصل مع مركز الاتصال التابع لها في حال الضرورة، كما دعت إلى تأجيل السفر إلى تلك الدول حالياً. أما على الصعيد البيئي، فقد أكد المجلس الأعلى للبيئة استقرار الأوضاع الإشعاعية في المملكة، وأن عمليات الرصد مستمرة على مدار الساعة عبر محطات المراقبة في مختلف المحافظات، مشدداً على ضرورة استقاء المعلومات من المصادر الرسمية.

وسط كل هذه الجهود الحثيثة، تبرز أهمية الدور الشعبي كمكمل حقيقي للقرارات الحكومية، فالدولة، بكل مؤسساتها، قد وضعت خططها ورفعت جاهزيتها، لكن النجاح لا يتحقق دون وعي المواطن والتزامه، والوعي هنا لا يعني فقط الالتزام بالتعليمات الأمنية والصحية، بل يتعداه إلى عدم الانجرار وراء الشائعات، وعدم المساهمة في بث القلق بين الناس.

نحن أمام تحدٍ لا يواجهه القرار السياسي أو الأمني وحده، بل يعكس بشكل جوهري مدى نضج المجتمع واستعداده للتصرف بروح المسؤولية، فالتكاتف وضبط النفس والثقة بالمصادر الرسمية والامتناع عن المبالغات، كل ذلك يشكل سلاحاً موازياً لخطط الطوارئ، وربما أكثر فاعلية في بعض الأحيان.