وتيرة التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل تتسارع، وعليه دخلت منطقتنا اليوم مرحلة شديدة الخطورة قد تتجاوز الاشتباك التقليدي إلى حافة حرب إقليمية ذات طابع نووي محتمل، وهنا مكمن الخطر.

مع كل صاروخ ينطلق، وكل تهديد يُطلق، يصبح من الواضح أن دائرة المواجهة تتسع بشكل لم يعد ممكنا تجاهله، خصوصاً في ظل غياب أي أفق واضح للحل السياسي.

في قلب هذه المواجهة، نجد إيران تتوجه بنداء إلى المجتمع الدولي مطالبة بتدخل فوري لوقف التصعيد، بينما تسعى إسرائيل بجدية لجر الولايات المتحدة إلى ساحة المواجهة، معتبرة أن ”الضربة الحاسمة“ للمنشآت النووية الإيرانية لا يمكن أن تتم إلا بمشاركة أمريكية مباشرة، خاصة وأن السلاح المطلوب موجود على المدمرات الأمريكية في المحيط الهندي، أي على بعد أربع ساعات فقط من المناطق المعنية في إيران.

الولايات المتحدة من جهتها لا تزال في موقع المتفرج الداعم، وهو موقف يبدو أقل صلابة مع كل يوم جديد تتغير فيه معطيات الميدان وتتعاظم فيه ضغوط الحلفاء، والمقلق أن يتغير خطاب الرئيس دونالد ترامب من التهدئة إلى التحرك العملي، والمشكلة أن بوادر هذا تتضح خاصة بعد التبريرات لإسرائيل في حقها لتوجيه الضربة الأولى على الرغم من أن الأمور الدبلوماسية مع إيران بشأن الملف النووي كانت تمضي إلى طاولات المفاوضات والبحث.

لكن ما يهمنا نحن في الخليج العربي يتجاوز حسابات الأطراف المتصارعة. القلق الحقيقي لا يكمن فقط في توسّع رقعة الحرب باتجاه حدودنا، بل في التهديد الصامت الكامن في الأفق، وأعني هنا الخطر النووي.

استهداف المنشآت النووية الإيرانية، سواء أُنجز بدقة أو أخفق، يحمل في طياته احتمال كارثة بيئية عابرة للحدود، تشمل تسرباً إشعاعياً قد يؤثر بشكل مباشر على بيئة الخليج، ومياهه، وزراعته، وصحة مجتمعاته، بل واستقراره الاقتصادي بأسره. هذه المخاطر لا تعترف بحياد الجغرافيا، ولا تُفرق بين من يشارك في الحرب ومن يسعى لتجنبها.

ولهذا، فإن المطلوب بالنسبة لنا تحرك خليجي منسق على أكثر من مستوى، وهنا نتحدث عن إمكانية إطلاق مجلس التعاون الخليجي لمبادرة دبلوماسية موحدة وعاجلة يمكن أن تكون تحت مظلة الأمم المتحدة، تهدف إلى الضغط من أجل وقف التصعيد، والعودة إلى طاولة التفاوض، وتفادي أي عمل عسكري قد تكون تبعاته كارثية على كامل المنطقة.

في جانب آخر من الضروري تعزيز الجاهزية المدنية والطبية، عبر مراجعة خطط الطوارئ الوطنية الخاصة بالتعامل مع الحوادث الإشعاعية، وتطوير قدرات الرصد البيئي، ورفع كفاءة المستشفيات والمراكز الصحية في التعامل مع الحالات المرتبطة بالتعرض للإشعاع، وهو ما تقوم به بلادنا البحرين بكل وضوح وشفافية.

إضافة إلى ذلك، مهم العمل على تأمين سلاسل الإمداد الأساسية، من الغذاء والطاقة والدواء، ووضع سيناريوهات بديلة للتعامل مع الاضطرابات المحتملة في الأسواق الإقليمية والدولية.

الخليج العربي اليوم يقف على مفترق طرق، ولا مجال فيه للرهان على ”المسافة الآمنة“ في ظل تطورات تهدد وجودنا البيئي والاقتصادي والاجتماعي.

يجب أن يكون لدول الخليج تحرك موحد، يسعى إلى تجنيب المنطقة كلفة حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل. إذ الخيار ليس بين الحرب أو السلام فقط، بل بين تحركات فاعلة تسعى للحل، أو انتظار العواقب في صمت.

فلنحفظ منطقتنا، ونحمي شعوبنا، قبل أن نُفاجأ بأننا أصبحنا وسط رماد معركة لم نبدأها، لكننا سنتحمل نتائجها.