تشتعل وسائل الهدم الاجتماعي في هذه الأيام بأخبار الحروب والدمار، وتتسابق فيما بينها لنقل الأخبار والمستجدات وما يدور في العلم وحتى الخفاء، في السابق كانت الفضائيات هي من يتولى زمام الأمور، وكانت هي من تتسابق فيما بينها للحصول على الأخبار الحصرية والعاجلة، وكانت التعليقات حينها تقتصر على رسائل نصية يتم بثها أسفل الشاشات، أو عبر تلك القنوات لجزء من بثها لمداخلات المشاهدين.
اليوم بات المشاهد هو من يصنع الخبر، بل هو من يحلل سياسياً، ويتنبأ بما سيحصل، وأصبح هو المحلل العسكري الذي يمدح قوة هذه الجبهة على تلك، بل أكثر من ذلك، تحول المتابع إلى متنبئ بما سيحصل بناء على خبراته الميدانية والعسكرية والسياسية، وكل ذلك عبر وسائل التواصل (الهدم) الاجتماعي، التي تحولت هي الأخرى إلى ساحات معارك وحروب أبطالها أصحاب التعليقات الأولى، فما أن ينشر أحد الحسابات أي منشور، حتى تتوالى التعليقات بالمئات إن لم تكن بالآلاف تتنوع ما بين تحليل سياسي أو عسكري لتنجرف بعدها للتحول إلى معارك طائفية ومذهبية وعرقية.
حملت لنا هذه التقنية عقول جوفاء، هدفها الدمار والخراب، فوسط سيل من التعليقات الجارفة، تجد هناك جماعات متفرقة من أصحاب المصالح، ففيهم من يحمل أجندات طائفية، ويستغل الوضع العالمي لنشر أهداف تلك الأجندة عبر تعليق بسيط لا يتجاوز العشر كلمات يؤجج من خلاله الاستقرار المجتمعي، ليجلس بعدها ويتفرج على التعليقات التي تليه ساكباً الزيت على النار، وهناك من يساند دولة على أخرى، فتراه يتنقل بين الحسابات يمجد في قوة تلك الدولة وعظمتها وقدراتها العسكرية وما حققته من انتصارات حتى هذه اللحظة، لتتوالى بعدها سيل التعليقات من أنصار الدولة الأخرى وهكذا، ومن بين تلك الأجندات تظهر فئة (وهي المستهدفة) لا ناقة لها في ما يدور ولا جمل، تتأثر بما يجري، فتراها تدافع تارة، وتهاجم تارة أخرى، لا تعلم ما تريد، فئة تم استفزازها وتحاول التنفيس عن غضبها عبر مساحة التعليقات، والخاسر في ذلك هو التماسك المجتمعي، هذا التماسك الذي تهزه مواقع التواصل، وتعمل على تدميره.
الواقع في طبيعة الحال عكس ما يدور في مواقع التواصل الاجتماعي، لكن إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، لربما تنتقل عدوى التعليقات على الواقع الفعلي، فمن يا ترى تقع عليه مسؤولية الحراك لتصحيح الأوضاع، فإهمال تلك التعليقات سيمهد لها الدرب لتكون واقعا في حياتنا اليومية بعد أن كانت واقعاً في مواقعنا الإلكترونية..