في قلب الحرم وبجانب الكعبة، حيث تهفو الأرواح إلى مكة، وحيث تُردد القلوب “لبيك اللهم لبيك”، تبدأ رحلة الحج.. ولكن هذا العام، لم تكن الرحلة فقط روحية، بل أصبحت أيضاً خضراء.

ماذا لو أخبرتك أن الحج هذا العام تحول إلى نموذج عالمي للسفر المستدام، حيث يلتقي الإيمان بالوعي البيئي، وحيث تتحول مناسك الطواف والسعي إلى رسالة تؤكد حب المؤمنين لكوكب نظيف كما أمرنا ديننا.

فمن الحافلة إلى الحرم انسجمت الآليات التي قامت بها المملكة العربية السعودية لتجعلها معطرة وملونة بلون أخضر.

هذا العام، أطلقت السعودية أسطولاً من الحافلات لنقل الحجاج بلا ضجيج، فقط هدوء يُشبه السكينة التي يشعر بها قلبك وأنت في الحرم.

أُنشئت مراكز لإعادة تدوير النفايات، حيث تم إطلاق 11 حاوية في الحرم المكي لإعادة تدوير إحرامات الحجاج بعد التحلل من النسك، بمشاركة 80 مخيماً لخدمة الحجاج، وتستهدف 70 طناً بهدف تعزيز الاستدامة البيئية في المسجد الحرام خلال موسم الحج، بحسب ما ذكره المركز الوطني لإدارة النفايات.

تأتي هذه الخطوة في إطار الجهود المستمرة للحد من إنتاج النفايات، وتعزيز الوعي بأهمية الاستدامة والمحافظة على البيئة، وأُطلقت حملات توعوية باسم “حج بلا أثر”، تدعو الحجاج لترك الأرض كما دخلوها: طاهرة، نقية. واستخدمت الطاقة الشمسية في بعض مرافق الحج،

كما أن الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، فعلت مبادرة «إحرام مستدام»، في موسم حج هذا العام، وذلك بالتعاون مع المركز الوطني لإدارة النفايات، وهذه ليست أول الجهود حيث أطلقت الهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة، مبادرة «المشاعر الخضراء»، لمعالجة ٢٦٠ طناً من النفايات العضوية والصلبة داخل المشاعر المقدسة منذ عام ٢٠٢١. أيضاً مشروع خادم الحرمين الشريفين مشروع نوعي لحماية تعبئة ماء زمزم وتسريع وصوله للحجاج.

فحماية الأرض تبدأ من الحقيبة التي يحملها كل حاج.. ومن النية التي تُرافق خطواته. سواء في الشرب من زمزم في أكواب أو زجاجات قابل لإعادة الاستخدام، والتي أصبحت متوفرة في كل مكان في السعودية، وسهل الحصول عليها أو، أن تسير في أماكن المشاعر، دون أن تترك علبة بلاستيكية، ليكون لقاء الروح بالمسؤولية، واندماج القيم السماوية مع استدامة الأرض. فالحج الأخضر ليس خياراً.. بل واجباً إيمانياً في زمن تتغير فيه المناخات وتئن الطبيعة، يأتي الحج ليعيد التوازن: بين الإنسان والكون، بين العبادة والعمل.

مثلما انطلق نور الإسلام من مكة لينير الأرض ويهديها سماءها، فإن السلوكيات الخضراء تنطلق من مكة مع موسم الحج لتكون مثالاً يحتذى لكل المؤمنين بالخير للإنسانية وما هذه الجهود والتعاون المشترك الذي تبذله مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية والأهلية إلا دليلاً قوياً على الإيمان بحب الخير للإنسانية والحفاظ على جمال ورونق الأماكن المقدسة في إطار الحج الأخضر.

* أستاذ الإعلام الرقمي المساعد