بدر علي قمبر
بعد كل تجربة جديدة تخوضها في خضم أيام المسير، تخرج من بعدها بفوائد جمة، وبسطور جديدة تكتبها ضمن فصول «حكايتك»، وهي مساحات واسعة من العطاء والخير الذي ترجوه. ولعل جمال التجربة يتمثل في كونها جزءاً أساسياً من «إيمان قلبك» المعلق بالآخرة، بما ترجوه من أثر تتركه في دنيا البشر، وفي نفوس أناس جاؤوا يلبون نداء الرحمن، حيث اختارهم ليكونوا في وفادته. مهما مرت السنوات، فستظل تتعلم الجديد، وتغير القناعات، وتتذكر أولاً وأخيراً أن الإيمان يتجدد، وأن العطاء مساحات واسعة في الحياة. وفي كل مرة ستتعرف على أسماء جديدة في قائمتك، تدعو لها وتدعو لك، تؤثر فيها بأسلوبك وبخبرتك. اللهم لا تحرمنا فضلك.
هناك خيبات وانكسارات ومواقف مؤلمة، وإرهاصات للحياة، وجروح ينبشها البعض بأسلوبه الساذج وشخصيته الفجة. وهناك العديد من أثقال الحياة التي لا ينبغي أن تُحكى لأحد، وكل تلك الأوجاع تبقى في خفاء القلوب، ولا يُحسن بثها إلا إلى المولى الكريم. كما قال الربيع بن خثيم في دعائه: «أشكو إليك حاجة لا يُحسن بثها إلا إليك». فأحسن الدعاء مما يجول في قلبك وفي خاطرك، وأطل السجود حتى تبث إلى مولاك همك، وتذرف الدموع حتى تغسل ما في نفسك من أدران الحياة. انكساراتنا كثيرة، وهذا هو ديدن الحياة، ولكن يبقى المرء حكيم نفسه، وهو من يُحسن إدارة ذاته، وتخفيف ألمه. وليس أجمل من ذلك بأن تُصلي لله، وتلح في الدعاء، وتتفرغ للذكر وقراءة القرآن.
الأوضاع الحالية التي نمر بها، والتي أفضت إلى أن يُسارع البعض إلى تجهيز أموره التموينية، بينما يظل الآخر سادراً يتأمل الأحوال ويخاف على مصيره، هي أوضاع في حقيقة الأمر من سلسلة ابتلاءات الحياة. وهي أمور يجب أن نتقبلها جميعاً وأن نتسلح بسلاح الصبر واليقين والتسليم بقضاء الله تعالى وقدره، وبما يكتبه المولى الكريم. الأمر المهم في مثل هذه الدوّامات المُزعجة، أن تكون أولاً وأخيراً مع الله تعالى، وقريباً منه، ومُتسلحاً بإيمانك وقوة ثباتك، ودعواتك التي تدعو بها المولى تعالى: «يا مُقلب القلوب، ثبّت قلوبنا على دينك، يا مُصرف القلوب، صرف قلوبنا على طاعتك». مثل هذه الأحوال لا تدعونا للفزع، بقدر ما تجعلنا موقنين بحفظ الله تعالى ومعيته، وبأقداره التي يختارها لنا في خضم الحياة. فلا تسير الحياة على منحى ثابت، بل من أجل أن يتمحص إيمان العبد، ويرتفع قدره عند ربه، وتُكتب له الأجور المُضاعفة. نُسلم أمرنا إلى الله تعالى، وندعوه بالستر والحفظ والثبات، وأن يحفظنا ويحفظ بلاد المسلمين من ويلات الشرور والحروب، وأن تمر الأمور بسلام، وأن نعيش ودولنا بسلام، وأن يعم الخير كافة أرجاء المعمورة، وأن تعود غزة وبلاد المسلمين المنكوبة إلى سابق عهدها، في أمن وسلام، وتُعمر بسواعد شعوبها.
عندما نتحدث عن «المحبة» التي تجمع المسلمين، فإنما نتحدث عن أرواح تشتاق إلى بعضها البعض في خضم الحياة، وإلى نفوس ترتمي في أحضان محبتك بمجرد أن زاملتك في موقف معين، وباتت تتواصل معك محبة لك في الله تعالى. ومن أراد أن يشعر بحلاوة الإيمان، عليه أن يحب المرء لا يُحبه إلا لله تعالى وحده. ويتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما تحابّ اثنان في الله تعالى، إلا كان أفضلهما أشدهما حُباً لصاحبه». وليست كل محبة تستمر، بل تلك التي تعلقت بالله تعالى وحده، وانجذبت أواصرها بقلوب تعشق ما عند الله تعالى، فحينها تجدها محبة مُتجددة، تستمر حتى آخر أنفاس أصحابها.
همته العالية هي تلك التي يراها في نفسه قبل الآخرين، والمبنية على مبدأ «ما عند الله خير وأبقى»، فيما أعده المولى الكريم للمؤمنين الصادقين الصالحين من نعيم مقيم. ومن صفاتهم: «آمنوا وعلى ربهم يتوكلون». همته التي تتجدد في كل يوم تحمل ضمن طياتها العديد من معاني العطاء والبذل، وترك الأثر الجميل في مناحي الحياة المختلفة. فهو لا يقبل أن يظل مكتوف اليدين، فقد اعتاد أن يعمل ضمن إطار «خلية عمل» لا تهدأ، واعتاد أن يكون مؤثراً بلا توجيه. وهمه أن تكون قدماه مُباركة أينما وطأت، وأن ينفع بإطلالته أينما حل. يؤمن بأن العطاء والأثر هما عنوان سامٍ، وصفحة متجددة في حياة المسلم، لا يحدها زمان ولا مكان، بل يبقى أثرًا في خلافة الله تعالى في الأرض حتى آخر أنفاس الحياة. شخصية إن غابت عن المكان قيل أثره هنا لا يُعوّض، وإن حل مكانه آخرون. تراه لا يقف عند حد، بل يتجاوز العقبات، من أجل أن يحقق ما يتمناه، ويكتب أثره.
في حكايتنا اليومية، الأخلاق ورقي التعامل والاحترام، وحسن انتقاء الكلمات هي التي تحكم مواقفنا اليومية وأسلوب تعاملنا الإداري مع الآخرين. فمن فاته التعامل بهذه الأخلاق، فقد أساء التعامل وفقد مكانته في قلوب الآخرين، وبات يدور وحده في السراب دون أنيس، معتقداً أنه الأفضل والأصوب.
ومضة أمللا يفهم أسلوبك إلا من فهم معاني العطاء والبذل الصحيح، وفهم كيف تُدار الهمم والنوايا الصادقة.