عبدالله صويلح
- غالباً ما نتمكن من تخمين ما بداخل الظرف المغلق بمجرد النظر إلى مصدره أو ملامحه الخارجية. أحياناً نخمن بدقة، وأحياناً نقف عاجزين عن الفهم، فنلجأ إلى قراءة لغة الجسد، أو تحليل الموقف بعين علم النفس. ولكن مهما بلغت براعتنا في التخمين، تبقى الحقيقة محجوبة حتى تُفتح الأظرف.
- الفضول الإنساني بطبيعته لا يهدأ. هو غريزة تدفعنا لاكتشاف ما وراء الظاهر، حتى وإن لم يكن ذلك من شأننا. نحن لا تبهرنا الأشياء الواضحة بقدر ما يجذبنا الغموض، فالأشياء المغلقة دائماً ما تحمل في طيّاتها قيمة، أو على الأقل هذا ما نتصوره، ما هو مكشوف أمامنا لا يجذب اهتماماً، وكأن وضوحه أفقده الأهمية.
- البعض لا يكتفي بمشاهدة فيلم أو مقطع فيديو، بل ينشغل بالتفكير فيما وراء الكواليس: من صوّر؟ كيف أُنتج؟ ما الكاميرا المستخدمة؟ هذا الفضول قد يُنظر إليه كمؤشر على الذكاء أو الحس الإبداعي، لكنه يصبح سلوكاً مزعجاً عندما يتجاوز حدوده ويتحوّل إلى تطفّل.
- الأظرف في حياتنا ليست ورقية فقط، كل إنسان نقابله هو ظرف مغلق. كل موقف، كل فرصة، كل قصة لم تحكى. نحاول تخمين محتواها، لكننا لسنا دوماً مخوّلين بفتحها. حين لا نُمنح هذا الحق، نصاب بالقلق، وربما يتحول الفضول إلى جنون، يقود إلى صدمات أو خيبات.
- السؤال هنا: هل يمكننا العيش دون فضول؟ تخيّل عالماً لا نسعى فيه لمعرفة ما نجهله، هل سيكون أكثر هدوءًا؟ ربما نعم، وربما لا. لأن الفضول أحياناً يكشف حقيقة لا نودّ معرفتها، وأحياناً يفتح لنا أبواباً عظيمة. لذا، فإن الحل لا يقع في عمق الفضول، بل في تهذيبه، وتوجيهه نحو ما يُنمي الفكر ويُبقي على احترام خصوصيات الآخرين.
- لا تجعل هوسك بالمجهول يحرمك من تقدير الواضح. لا تسجن نفسك في دائرة «ما خلف الظرف»، فتنسى الاستمتاع بما هو أمامك. الاعتدال في الفضول، مثل الاعتدال في كل شيء، هو مفتاح القبول والتوازن، مع النفس والناس.
- وفي ختام حديثي عن الظرف المغلق أريد التطرّق إلى أن الفضول المفرط لا يصنع عالماً أفضل، بل يصنع إنساناً منبوذاً، لا يرتاح الناس لقربه، ولا هو يرتاح مع ذاته.