اللقاء الأخير الذي جمع معالي وزير الداخلية، الفريق أول الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، مع أعضاء من مجلسي الشورى والنواب، حمل في مضمونه أكثر من كونه اجتماعاً تنسيقياً؛ بقدر ما هو تعبير عن موقف واضح يجسّد استعداد البحرين لمواجهة أي مستجدات إقليمية دون أن تنجرّ إلى صراعات لا تعنيها.
الرسالة كانت واضحة: البحرين تقف على الحياد، لكنها في الوقت ذاته متأهبة لحماية أمنها الداخلي بكل ما أوتيت من إمكانيات.
في حديثه، شدّد الوزير على أن بلادنا ليست طرفاً في النزاعات الدائرة في الإقليم، ولن تقبل أن يُفرض عليها دور لم تختره.
بالتالي هذا التصريح لا يمكن قراءته إلا ضمن سياق استراتيجي يُعبّر عن سياسة البحرين الثابتة في تجنّب التصعيد، والتمسّك بالحلول السلمية.
وفي هذا الإطار، تُظهر وزارة الداخلية جهوزية ميدانية وإدارية عالية، عبر تنفيذ خطة الطوارئ الوطنية وتفعيل قدرات المركز الوطني للطوارئ المدنية.
وهذه الجهود تعكس نهجاً عقلانياً يهدف إلى الاستباق بدلاً من رد الفعل، وإلى صيانة الاستقرار المجتمعي دون تعطيل للخدمات الأساسية.
على صعيد موازٍ ومهم، لا تقلّ معركة الوعي أهميةً عن الإجراءات الأمنية. وفي ظل موجة الشائعات والمعلومات المغلوطة التي تنتشر عبر وسائل التواصل، يأتي التأكيد على ضرورة التصدي لها باعتبارها تهديداً مباشراً للأمن المجتمعي.
الوزير أوضح أن نشر الشائعات مخالفة قانونية، داعياً المواطنين إلى التحقق من صحة المعلومات والمساهمة في ترسيخ الثقة العامة.
وهنا نؤكد بأن الشعب البحريني أثبت دوماً وعيه في التعامل مع الأزمات، فكان شريكاً فعلياً في الحفاظ على الأمن، لا مجرد متلقٍّ للتوجيهات. هذا الوعي المجتمعي يشكّل أحد أعمدة الاستقرار في المملكة، وهو ما تراهن عليه الدولة في مواجهة أي مرحلة حرجة.
فحماية الاستقرار ليست مسؤولية الدولة فحسب، بل هي مهمة جماعية تستوجب وعي المواطن والمقيم، وتضافر الجهود بين كل مكونات المجتمع.
أيضاً علينا إدراك أن التجربة البحرينية في إدارة الأمن ليست وليدة لحظة، بل ثمرة سنوات من العمل المؤسسي والتخطيط الاستراتيجي، ضمن رؤية وطنية تقودها قيادة حكيمة تؤمن بأن الأمن لا يُبنى بالقوة وحدها، بل بالتفاهم، والاحترام المتبادل، وسيادة القانون.
تمسّك البحرين بالحلول الدبلوماسية والحوار السياسي كأدوات لمعالجة التوترات، يعكس ما يمكن وصفه بـ«الدبلوماسية الهادئة»، التي رسخت مكانة بلادنا كدولة مسؤولة تحترم السيادة، وتدرك أن التعاون الإقليمي هو السبيل الوحيد لتحقيق أمن جماعي دائم.
وفي ظل كل ما يحيط بنا، يبقى الرهان على الله أولاً، ثم على حكمة القيادة، وصدق الانتماء، والجهود الوطنية الصادقة التي صنعت من البحرين بلداً قادراً على عبور الأزمات بثقة وثبات.