كانت الزراعة توفر فرص عمل مضمونة وسهلة أمام الجميع، بل إن أفراداً أكثر في الأسرة كان يعني إنتاجاً أكثر، ثم جاءت المصانع التي تطلب العمل فيها مهارات لم تتوفر لدى جميع المزارعين، ودفعتهم إلى المرتبة الثانية، واليوم نعيش العصر الرقمي أو الاقتصاد الرقمي الذي يضغط أكثر فأكثر على الأفراد الأقل مهارة، وعلى الشركات التي تمارس أنشطة تقليدية، ويجعل حياة الجميع أسهل، لكن فرص العمل والثراء أقل.

هذا واقع اقتصادي جديد يجب أن نتقبله: مواقع التجارة الإلكترونية، وتطبيقات توصيل الطعام، ومنصات تداول العملات المشفرة، ووكلاء الذكاء الاصطناعي، هي نماذج عن أشكال الأعمال أو الشركات في الوقت الراهن: البزنس القائم على البينات، جمعاً ومعالجة وتوظيفاً، رغم أنها نماذج أعمال توفر فرص عمل ومردوداً اقتصادياً أقل في الدول التي تعمل فيها، بيما تجعل من عدد قليل من البشر الذين يملكونها من ذوي الثراء الفاحش.

الأفضل من أن نحاول مواجهة هذا القطار بيدين عاريتين هو أن نجد لنا جيداً في عرباته. شئنا أم أبينا العالم أصبح سوقاً واحداً، والأموال تنتقل بشكل أسهل من جيوبنا كمستخدمين في أي مكان في العالم لجيوب القائمين على شركات مثل أمازون ومايكروسوفت وميتا وغوغل وأوبن إيه آي، وحجم الخدمات والأموال التي يتم تبادلها عبر الإنترنت يزداد مقارنة بحجم الأعمال في السلع والبضائع التي يتم شحنها براً وبحراً وجواً.

ومملكة البحرين اختارت أن تركب قطار التقدم العالمي، مستفيدة من عوامل كثيرة من بينها الكفاءات البشرية القادرة على فهم وتوطين التقنيات المتقدمة، بل وقيادة تطورها، والوعي الكبير لدى المستخدمين، ومعدل انتشار الإنترنت في البحرين مرتفع جداً، حيث إن 100% من السكان لديهم إمكانية الوصول إلى الإنترنت وفقاً لتقارير الاتحاد الدولي للاتصالات، وبنية الاتصالات القوية والمستقرة، والتشريعات المتقدمة، ليست في قطاع الاتصالات فقط، بل في القطاع المصرفي والمالي.

ونحن نرى كيف مكَّنت مبادرات مثل «البيئة الرقابية التجريبية» التي أطلقها مصرف البحرين المركزي في العام 2017 من أن تصبح البحرين موطناً لترخيص وانطلاق شركات التكنولوجيا المالية، والجهود التي يقودها مجلس التنمية الاقتصادية لجذب شركات التمويل الجماعي مثل «أتمي» وشركات أخرى مثل «تمارا» و»كريبتو دوت كوم»، ونرى أيضاً كيف تستفيد الحكومة الإلكترونية من تطبيقات الحوسبة السحابية لجعل حياتنا أسهل ونتمكن من قضاء كثير من حوائجنا من خلال هواتفنا الذكية.

الاقتصاد الرقمي الجديد يتمحور حول التطورات التكنولوجية السريعة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، وسلسلة الكتل، والحوسبة السحابية، التي تُحدث تحولات جذرية في الصناعات والمجتمعات والحياة اليومية، ويشمل نطاقاً واسعاً من الأنشطة، بدءاً من التجارة الإلكترونية والوسائط الرقمية وصولاً إلى التصنيع المتقدم وتحليلات البيانات، وتتميز هذه المرحلة الجديدة من التنمية الاقتصادية بتكامل متزايد للتقنيات الرقمية في جميع جوانب الإنتاج والاستهلاك، مما يخلق قيمة وأسواقاً جديدة، ومعها فرص يتطلب اقتناصها التحلي بمزيد من الإيجابية والجاهزية.