ثلاثون يوماً تقريباً كانت كفيلة بأن نرقب ونشهد نتائج المبادرات الوطنية والأفكار التي نطلقها بين الحين والآخر، في أقل من شهر واحد فقط وهي أمد الحرب الإقليمية التي شهدناها جميعاً عبر سلسلة من الصواريخ المتناثرة هنا وهناك والتي يعلن عنها مسبقاً بتوقيت إطلاقها وموعد وصولها ومدى تأثيرها، كانت هناك معارك أخرى تدور في ساحة بعيدة كل البعد عن الأجواء والحدود الجغرافية، حروب من نوع آخر ليس لها علاقة بالأسلحة التقليدية وحتى المتطورة، كانت ساحاتها عبارة عن فضاء إلكتروني وشخصياتها وهمية أو البعض منها على أقل تقدير، نصبت أنفسها كمحامٍٍ للدفاع عن هذا الطرف أو ذاك، ثلة من الحسابات العفنة التي تعتاش على المصائب والكوارث، وتروي ظمأها عبر استفزاز المتابعين لتشرب نخب التعليقات بعد ذلك، حتى وإن لم تنجح محاولاتهم يعمدون إلى بث تعليق استفزازي من حساب وهمي لكي يديروا خططهم بنجاح.
بعيداً عن كل ذلك الهرج والمرج في تلك الحسابات المشؤومة، لابد أن نستخلص العِبر وأن يكون ما حدث خلال الفترة القليلة الماضية نقطة انطلاق لأي مبادرة في المستقبل، لابد من دراسة الحدث بكل تفاصيله عسكرياً وإعلامياً وثقافياً والأهم من ذلك كله وطنياً، فالوطن فوق كل اعتبار، وأي مبادرة وطنية كانت أو مشابهة لها في الرؤية لم تحقق أهدافها في ظل كل ما حدث فإن هذا هو الوقت المناسب للتقييم وبالتالي تصميم أو إعادة دراسة استراتيجيات تلك المبادرات بناء على الواقع الفعلي.
حتى التشريعات وإن كانت حديثة فلا مانع من إعادة النظر بها، والعمل على سن تشريعات وقوانين مستحدثة تحارب كل ما يعمل على شق الصف الوطني واللحمة الداخلية، والعمل على غرس نبتة التربية الوطنية من جديد خاصة للجيل القادم.
لدينا من العقول الكثير، ولدينا من الشخصيات القادرة على تنفيذ تلك الاستراتيجية الوطنية بصبغة محلية بحتة، ولكن هل لدينا من قادر على توظيف تلك العقول في المكان المناسب، وإحلالها في المواقع المهمة لكي يتم العمل على الكيف لا على الكم، فعدد المبادرات التي تم إطلاقها خلال السنوات الماضية كثيرة جداً، ولكن ما هي نتائجها الفعلية على أرض الواقع، وهل حققت جزءاً من أهدافها أم لا؟
باختصار نحن في مرحلة مواتية جداً للتقييم، فلنقيّم مبادراتنا بكل حيادية وتجرّد، ونُعيد صياغتها من جديد بعقول بحرينية واعية للمشهد الحقيقي، وقادرة على تغيير بعض العقليات التي لا هَمّ لها سوى إرضاء الخارج.