في خضم التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة، وما تحمله من تحديات قد تُربك أكثر الأنظمة جاهزية، تبرز أمام المجتمعات والدول حاجة ملحّة لترسيخ ثقافتين لا غنى عنهما: الوعي العميق بالواقع، وتحمل المسؤولية في مواجهة الأزمات.

فالأزمات بطبيعتها لا تستأذن أحداً، ولا تمنح ترف الوقت، بل تُفاجئ الجميع، وتختبر مدى صلابة المجتمعات، وفاعلية مؤسساتها، وصدق انتماء أفرادها.

لقد أثبتت التجارب الرصينة أن المجتمعات التي تمتلك وعيًا جماعيًا حيًا، تستند إلى مصادر موثوقة وتدرك أبعاد ما يحيط بها، تكون أكثر قدرة على امتصاص الصدمة، وأسرع في استعادة التوازن.

وهذا الوعي لا يُولد لحظة الأزمة، بل يُبنى بالتربية المدنية، والتعليم، والممارسات اليومية التي تُعلي من شأن المصلحة العامة.

إلى جانب الوعي، يأتي تحمل المسؤولية كقيمة أساسية تضمن استمرارية الأداء الوطني حتى في أحلك الظروف. فالمسؤولية ليست حكراً على جهة دون أخرى، بل هي منظومة تبدأ من القيادة، وتمتد إلى مؤسسات الدولة، وتُتوَّج بسلوك المواطن الذي يدرك أن الالتزام بالتعليمات، ومواجهة الشائعات، وتقديم المعلومة الصحيحة، كلها عناصر تكوّن درعاً مجتمعياً متماسكاً.

وفي هذا السياق، تؤكد مملكة البحرين من خلال نهجها المؤسسي ورؤيتها المستقبلية، أن بناء مجتمع مستعد لأي طارئ لا يتحقق فقط عبر الخطط واللوائح، بل عبر ترسيخ ثقافة وطنية تؤمن بأن كل فرد هو شريك في حماية الوطن، وكل موقف واعٍ هو استثمار في أمنه واستقراره.

إن الأزمات قد تكشف مكامن الضعف، لكنها أيضاً تفتح نوافذ الفرص، وتعيد ترتيب الأولويات، وتمنح المجتمعات فرصة نادرة لإعادة تقييم ذاتها وتعزيز مناعتها.

ومن هنا، فإن الوعي وتحمل المسؤولية لم يعودا خيارين، بل ضرورة وطنية وأخلاقية تُبنى عليهما جسور العبور من التحدي إلى الإنجاز، ومن القلق إلى الطمأنينة.

همسة

قدرة الدولة على إدارة الأزمة تُقاس بقدرة المواطن على أن يكون جزءاً من الحل، لا عبئاً على الجهود. فليكن كلٌّ منّا بداية الوعي، ومصدر الطمأنينة، وسنداً لهذا الوطن الذي يستحق منا أن نكون على قدر التحدي.