عند وقوع الأزمات ومنها الحروب، على ما يجاور بلدك من بلدان فمن الطبيعي أن تنشغل وينشغل من حولك بالأحداث، وربما يصل الحال عند بعضهم أن يشعروا وكأنهم جزء من الحدث، لكني بصراحة لم أعد أبالي، ولا تشغلني «العواجل» التي تظهر على شاشات القنوات الفضائية، لا أدري هل استنزف فكري بعد كل ما مر به من أحداث، أم تبلدت المشاعر على أخبار الحروب بعد ما مررت به من أحداث على المستوى الشخصي، حتى «فيسبوك» صار يشعر بي ويصنف لي أخبار الحروب على أنها محتوى حساس، ولا أظن أني الوحيد في هذه اللامبالاة.

الحقيقة أن اللامبالاة لم تحلّ عليّ فجأة، فهي نتيجة طبيعية لسنوات طويلة من التعرّض للمصائب المرتبطة بالحروب، سنوات طويلة وأتأثر بكل صغيرة وكبيرة مرتبطة بالحروب، أجهد نفسي بالتفكير والتحليل والمشاركة بالكتابة، وأتقاتل للدفاع عن موقف طرف، واليوم لا أطيل البقاء عند أي محطة فضائية، هذا إن بحث عنها غيري، لأتوجه بعدها لإتمام أعمالي بشكل طبيعي كأن شيئاً لم يكن، لا يعني ذلك بأي شكل غياب الضمير، لكن هناك إرهاق وعطب كبير أصاب العاطفة، فما شاهدته وأشاهده يومياً من المعاناة الإنسانية التي تتطلب استجابات عاجلة ولا أملك قدرة على التجاوب معها أوصلني إلى هذه الحالة، أضف إلى ذلك في حالات حروب أخرى لا أقتنع بعدالة أي طرف من أطراف الحرب، أو أن كلا الطرفين ظالم، وكلاهما يصرخ ويدعي الحق، والأهم أن كل ذلك يحدث وأنا لدي حياة أحاول الحفاظ عليها كغيري، وكلما جلست مع نفسي لأفكر في هذه الحالة أنتهي إلى حقيقة مهمة وهي ماذا لو حققت أقصى درجات الاهتمام؟ هل سأحرك الأسطول العاشر الذي تحت إمرتي؟! أم هل سأغلق بوابات البحار والمحيطات كوسيلة ضغط على الأطراف المتنازعة؟! هل أقطع الإنترنت عن كل العالم ووسائل الاتصال ليكون هناك شلل وقتي أوقف به الأحداث! ثم لماذا أصدر نفسي من الأساس لهذا الأمر، فلست أحد قادة العالم ولست سياسياً ولا أشغل إحدى المسؤوليات التي تلزمني بالاهتمام لأحافظ على غيري كوني في موقع المسؤولية، إنما العكس هو الصحيح فهناك من هو مسؤول، والسعيد من اكتفى بغيره.

لست هنا لأقدم تبريرات للامبالاة، بل هو مجرد وصف لها فهي حالة وجدتها شائعة مؤخراً، ربما تكون وسيلة غير مخطط لها للبقاء والاستمرار، فمن غير المنصف والطبيعي أن يبقى الإنسان في حالة حزن مستمرة وأن يحترق كلما احترق مكان، ومع ذلك لا أدري قد تكون هذه الحالة مجرد إجازة بالنسبة لي لإعادة البناء والترميم!

*عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية