الحاجة إلى تعزيز مفاهيم الوحدة الوطنية والوعي ضرورة وليست ترفاً، إذ هي أمر أساسي في بناء الأوطان وبقائها صلبة متماسكة.

هي صمام الأمان في وجه كل ما قد يهدد تماسك المجتمعات واستقرار الدول. ومن هذا المنطلق، جاءت كلمة الرجل القوي معالي وزير الداخلية، الفريق أول ركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة، خلال لقائه مع القائمين على المواكب الحسينية، محملة برسائل تتجاوز اللحظة، لتضع الجميع أمام مسؤوليات وطنية لا يمكن التهاون بشأنها.

التشديد كان لازماً على أهمية الوعي والانضباط، خصوصاً في ظل التوترات الإقليمية التي تشهدها المنطقة، حيث أكد الوزير أن موسم عاشوراء يجب أن يظل مناسبة روحية واجتماعية، لا ساحة لتأويلات أو استغلال سياسي.

هذه الرسالة واضحة في مضمونها، وجاءت لتذكر بأن الانتماء للوطن لا يختبر في المواقف السهلة، بل في اللحظات التي تتطلب ترفعاً عن المصالح الضيقة وتغليباً للمصلحة الوطنية.

البحرين ليست فقط وطناً للجميع، بل بلداً تتسع بتسامحها واحتضانها لكل مكوناته، دون تمييز أو استثناء. وهذه جملة قوية قرنها الوزير بالتأكيد على أن المآتم والمواكب الحسينية جزء أصيل من هوية المجتمع البحريني، وتاريخه العريق، وأن البحريني أهل دوماً للمسؤولية الوطنية.

هنا لابد منا الإدراك بأن وحدة البحرين لا تُبنى بإقصاء أحد، بل بتعزيز الروابط التي تجمع ولا تفرق. لكن هذه الوحدة، كما أشار الوزير، لا يمكن أن تزدهر إلا في مناخ من الانضباط، واحترام القوانين، والابتعاد عن تسييس المناسبات الدينية.

في موازاة هذه الرسائل، نجد أن الجهود الكبيرة التي تبذلها وزارة الخارجية البحرينية هذه الأيام تعكس نموذجاً آخر من المسؤولية الوطنية. إذ وسط الأجواء المتوترة في المنطقة وخطر التهديدات، برز دور الوزارة الإنساني بشكل وطني لافت، تمثل في عمليات إجلاء المواطنين البحرينيين العالقين هناك، وهنا نتحدث عن أعداد ضخمة، تحتاج جهوداً جبارة.

هذا الدور لم يكن مجرد استجابة دبلوماسية بل تجسيداً لفلسفة البحرين في أن المواطن هو القيمة الأعلى، وأن أمنه وسلامته فوق كل اعتبار. وأنها البحرين التي لا تتخلى عن أمن وسلامة فرد واحد من أبنائها.

كوادر وزارة الخارجية التي تعمل بصمت وتفانٍ ليلاً ونهاراً في المطارات والمنافذ، تمثل خط الدفاع الأول عن صورة البحرين، ليس فقط على الصعيد السياسي، بل على صعيدها الإنساني أيضاً. هذا الالتزام لا ينفصل عن الرؤية الأوسع للدولة، التي ترى أن المواطنة مسؤولية متبادلة، من الدولة تجاه المواطن، ومن المواطن تجاه وطنه. مع التأكيد أيضاً على صمام أماننا الداخلي، من خلال الجهود الكبيرة التي يبذلها منتسبو وزارة الداخلية في حفظ أمن ترابنا الغالي والشعب البحريني الكريم، وكل من يعيش على هذه الأرض الطيبة.

الأمن لا تصنعه الأجهزة فقط، بل يصنعه الوعي الجمعي، وذلك عندما يدرك كل فرد في المجتمع أن الاستقرار يبدأ من سلوكه اليومي، من احترامه للقانون، ومن حرصه على ألا يكون طرفاً في خطاب يؤجج أو يفرق.

حماية البحرين مسؤولية جماعية، وصورتها في الخارج تبدأ من انسجامها في الداخل. وبين الكلمة الصادقة من وزير الداخلية، والجهد الدؤوب من كوادر وزارة الخارجية، تتجلى لنا معادلة واضحة، هي معادلة الشراكة الوطنية التي لا يجب أن تتغير، إذ ”الدولة تقوم بمسؤولياتها، ويبقى أن نكون، نحن المواطنين، على قدر الثقة“.