كم مرة قلتَ شيئاً في لحظة غضب أو انفعال، ثم ندمت؟!

كم قراراً اتخذته بسرعة، ثم دفعت ثمنه لاحقاً؟!

في حياتنا اليومية، لا يحدث الانفجار دائماً بسبب القنابل، بل أحياناً بسبب كلمة، نظرة، أو ردة فعل عفوية خرجت منّا قبل أن تمر بالعقل.

نعيش في عالم سريع، مزدحم، متوتر. استفزازات من كل جهة، ضغوط في العمل، اختلافات في الرأي، ومواقف تختبر صبرنا يومياً.

وفي لحظة، قد نتحول من هادئين إلى غاضبين، ومن محترفين إلى منفعِلين. لكن هل التسرّع في الرد يحل المشكلة؟! أم يخلق مشكلة جديدة؟!

لحظة واحدة فقط تصنع الفرق، وهذه هي الحقيقة، إذ إن معظم الأخطاء التي نرتكبها تبدأ من لحظة فقدان السيطرة على ردة الفعل. كلمة قاسية، رد غير محسوب، قرار متهور، ثم نُواجه العواقب. ولو أننا فقط تأخرنا ثواني قبل الرد، لأدركنا أن ما استفزنا لم يكن يستحق كل ذلك التصعيد.

هنا لابد وأن نتذكر، بأن القوة في التحكم، لا في الاندفاع، فضبط النفس لا يعني الضعف، بل هو قوة داخلية حقيقية. والقائد الحقيقي، الإنسان الناضج، هو من يعرف متى يرد، ومتى يصمت، ومتى يؤجل قراره.

في بيئة العمل، حين تتعرض لانتقاد علني، من السهل أن ترد بغضب. لكن الحكيم هو من يختار تأجيل الرد، وطلب توضيح في جلسة خاصة. ذلك الرد المتزن يُكسبك احترام الجميع، ويثبت أنك تملك السيطرة على أعصابك، لا العكس.

وفي الحياة العامة، مثلاً سائق يصرخ في وجهك! لا داعي للرد؛ لأن غضبك لن يصلح الموقف، بل ربما يُحوّله إلى شجار خطر. وتذكر أن الهدوء في وجه الانفعال، هو انتصار حقيقي.

هنا سأسرد خمس خطوات بسيطة، لكنها قوية:

تنفس بعمق: فقط تنفس. الهواء يهدئ أكثر مما تتوقع.

اصمت لثوانٍ: الصمت المؤقت يمنحك وقتاً لإعادة التفكير.

اسأل نفسك عن العواقب: هل يستحق الأمر أن تفسد يومك أو علاقاتك؟!

اختر توقيتك بعناية: لا تُجب وأنت غاضب. أحياناً الرد بعد 10 دقائق يكون أذكى من أي ردّ فوري.

راقب نفسك: اجعل التحكم في الانفعال عادة يومية، تماماً كغسل يديك.

التأني لا يعني التردد، بل هو فن الوقوف بين الشعور والفعل. وأن تشعر بالغضب فهذا أمر طبيعي، لكن أن تملك القرار في كيفية التصرف بعده، هذه هي الحكمة. ومَن يملك ردة فعله، يملك قراره، وصورته أمام الناس، ومستقبله أيضاً.

لنتعلّم، أنا من قبلكم وأنتم من بعدي، فمن ينصح لابد وأن يطبق كلامه قبل تقديمه لغيره، لنتعلم أن نؤجل الانفجار، أن نراجع كلماتنا قبل إطلاقها، ونُمهل أنفسنا فرصة لنكون نسخة أذكى من ردودنا التلقائية، فالحياة لا تكافئ الأكثر غضباً، بل الأكثر وعياً.