ندرك تماماً أننا في زمن لا يعلو فيه صوت فوق صوت ما يعرف بـ «المؤثر الاجتماعي» وأن ما يقوله هؤلاء المؤثرون، برغم تفاهة أغلب منشوراتهم، هو مؤثر بالفعل، ويلقى آذاناً صاغية من مختلف طبقات المجتمع، والواقع أن هؤلاء على الرغم من جهل أكثرهم بالأساليب اللغوية، لا سيما تلك التي تتعلق بالخطاب الإعلامي، إلا أنهم فرضوا مجموعة من العبارات المستخدمة للخطاب الإعلامي الخاص بوسائط التواصل الاجتماعي، تجعل السامع والمشاهد يشعر أنه يعيش متأخراً عن عصره كثيراً.

خذ على سبيل المثال مجموعة من العبارات الجاهزة المستخدمة في سياق الإدراك والاكتشاف، مثل (كم كان عمرك لما عرفت أن معجون الأسنان من الداخل لون واحد) كان عمري بعمر اللي في سني، ما المطلوب من هذه العبارة أصلاً؟! أو عبارة (ضيعنا عمرنا واحنا نفتح علبة المعجون عكس عقارب الساعة) فعلاً ضاع عمرنا؛ لأننا كنا نفتح العلبة بشكل طبيعي، لكن العبقري اكتشف أو نقل اكتشاف غيره، وعليه لابد لنا من مراجعة حساباتنا، والأدهى عبارة «لحظة إدراك» مثل (لحظة إدراك المغني الفلاني أنه نسي مفتاح بيتهم وهو على المسرح) هذه لحظة عظيمة في تاريخ البشرية يجب علينا استيعابها جيداً، كل هذا النوع من العبارات مهمته إشعارك أنك قليل الإدراك والمعرفة أمام هذا الجبل «المؤثر» المتفوق عليك.

هناك أيضاً العبارات المستخدمة للتشويق، مثل (لحظة نزول القيصر من سيارته في مهرجان الربيع) أكيد الفنان كاظم الساهر وصل إلى حفله بالسيارة أو بالطيارة، ما المثير والشيق في هذه اللحظة؟! تليها اللحظة الحاسمة وهي (لحظة دخول القيصر إلى المسرح) أيضاً أكيد «أبو وسام» جاء ليغني على المسرح، هل كان المتوقع أن يغني في دار الاستراحة القريبة من المسرح، ما هي ميزات هذه اللحظة في عمر الزمن؟!

وبماذا يجب أن نشعر ونحن نقرأ خبراً أو تعليقاً من هذا النوع! وأيضاً عبارة مثل (بعد هذا الفيديو ستتغير نظرتك إلى التماسيح) نعم تبين أنها «كيوت» الحقيقة النظرة الوحيدة التي تغيرت هي نظرتي لك، أو عبارة (خليك للآخر) وهذه تسمعها في البداية، إياك أن تنتظر للآخر، في الآخر يوجد إعلان.

ثم تأتيك عبارة التساؤل الغامض والفضول، يطرح فيها أسئلة غامضة يشير فيها إلى معلومات غير معروفة، مثل عبارة (ما حد خبرك عن أن الكوالا ينام 20 ساعة) لا والله ما حد خبرني، وأكيد لسبب وجيه، وهو ما أهمية هذا بالنسبة لي، أو عبارة (معلومة ما راح تصدقها) طيب لماذا تذكرها لي إذا كنت تعرف أني لأن أصدقها، أسكت أفضل من تكذيبي لك، أو أني أسمعها لأندم على الثواني التي أضعتها معك.

ننتقل بعد ذلك إلى الأساليب الإحصائية مثل (90% من الناس لا يعرفون أن القهوة مشروب حامضي) طيب وأنت باعتبارك واحد من العشرة بالمئة المبشرين بـ «اللايك» من أين لك هذه الإحصائية، هل من دراسة أجريتها في أحد الكافيهات أثناء تفكيرك؟ بماذا سأنشر بعد قليل؟!

وأخيراً عبارات تقال بغير وعي، مثل عبارة (أنا حرفياً) ويضع بعدها (ميت من التعب) حرفياً يعني مات الله يرحمه، لكن رجع للحياة ليتحفنا بآخر منشور، وعبارة (الدعم اللامحدود) التي يجعلها في سياق شكره لصاحب شركة، والدعم كان 500 دينار للإعلان، ولا يدرك أن لا محدود تعني نفي المقدار، أي أن الدعم ليس له حد أو نهاية.

نحن في سيرك لغوي في العالم الافتراضي، سيأخذنا في النهاية إلى أن تكون هذه العبارات الجاهزة، هي من أهم أساليب الخطاب الإعلامي الحديث، دون النظر إلى مدلولاتها اللغوية، اللغة هي علم من علوم الآلة، وعلى من يصدر نفسه للإعلام أن يأتي ومعه «أدوات الشغل» على أقل تقدير.

عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية