«تمكنت إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية بالإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والإلكتروني من القبض على امرأة (36 عاماً) تحمل جنسية خليجية، إثر قيامها وخلال زيارتها للبحرين بإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال نشر محتوى يدعو للفجور، والإتيان بأفعال مخالفة للآداب العامة».
كان هذا ملخص الخبر الذي نقلته جريدة «الوطن»، يوم الخميس الماضي، والذي يحمل في طياته أكثر من مجرد واقعة. إنه يعكس معركة مفتوحة، صامتة أحياناً، لكنها قائمة كل يوم بين من يسعون لحماية نسيج المجتمع، ومن يحاولون العبث به تحت غطاء «الحرية الشخصية» أو «الترفيه» أو حتى «الترند».
وسائل التواصل الاجتماعي ليست شراً مطلقاً، بل هي مرآة للمجتمع، وأداة يمكن أن تستخدم للبناء أو الهدم، لكنها تحولت في أيدي البعض لوسائل هدم القيم ونسف المبادئ وتمييع المفاهيم، فحين تستخدم هذه الوسائل لنشر أفكار أو محتويات تخالف قيمنا الدينية والثقافية، فإن المسألة لا تتعلق فقط بذوق أو أسلوب، بل بهز قواعد الانتماء والانضباط المجتمعي، وتشويه الهوية أمام الأجيال الجديدة.
المؤلم في هذه المشاهد المتكررة أن بعضها يتم الترويج له كأنه «حرية تعبير»، بينما هو في جوهره استغلال للفضاء الإلكتروني من أجل تمرير ممارسات تمسّ بالحياء العام، وتستفز الوعي الجمعي، وتكسر الحاجز الأخلاقي الذي ظلت المجتمعات العربية والإسلامية تحفظه لعقود.
ولعل الأخطر من ذلك أن تكرار مثل هذه السلوكيات يترك أثراً سلبياً على ثقة الناس بوسائل الإعلام، ويجعل كثيرين يرون المشهد الرقمي مساحة للانفلات والضجيج والتفاهة.
لكن هناك من لا ينام؛ إدارة مكافحة الجرائم الإلكترونية تقف اليوم في الصف الأمامي لهذا التحدي، تقوم بواجبها الوطني والديني والثقافي في رصد المخالفات الأخلاقية والأمنية والاقتصادية، وتلاحق المتجاوزين ضمن القانون، وفي إطار واضح ينسجم مع سياسة المملكة في صيانة المجتمع، لا فرض الوصاية عليه.
هذه الإدارة لا تحارب أشخاصاً، بل تحارب سلوكا هداماً، وتنقذ مساحاتنا الرقمية من أن تتحول إلى منصات للإفساد أو أدوات للتغريب، وهي بهذا الدور تحمي الثقافة الوطنية من التآكل، وتحافظ على الصورة الجامعة لهويتنا العربية والإسلامية.
ما يحدث اليوم ليس صدفة، فثمة من يريد أن يظهر كل القيم «قديمة»، وكل الأعراف «قيداً»، وكل انضباط «رجعية».
ومن هنا، فإن حماية المجتمع من هذا التسلل الناعم، الذي يتم عبر النكتة أحياناً، أو مشهد ساخر، أو مقطع عابر، تصبح مسؤولية مشتركة بين المؤسسات، والإعلام، والأفراد أنفسهم، فوسائل التواصل ليست مساحات بلا حراسة، ومن يستخدمها للإساءة يجب أن يحاسب.
فحكاية القيم تبدأ من كلمة، وتنهار بصمت أمام مقطع، ولكل واحد منا دور، ولكل ضوء في هذا الظلام قيمة.