جيلنا عمل في الإجازات الصيفية منذ كنا في المرحلة الإعدادية حتى تخرّجنا، فكل صيفية نبحث عن وظيفة، وكانت ذات فائدة لنا منحتنا تجارب ثرية في صقل مهاراتنا العملية، بالرغم من أنها لم تكن عملية مدروسة وتابعة لمنهج يجعل من تلك التجارب جزءاً من عمليات التخطيط المهني المستقبلي، فكنا نقبل بأي عمل يأتي من ورائه معاش، إنما ساعدتنا تلك التجارب في فهم متطلبات سوق العمل وفهم معنى التدرّج الوظيفي وساهمت في صقل المهارات الشخصية بالاحتكاك بأعمار تكبرنا سِنّاً، وساهم المعاش الذي كنا نستلمه في تكاليفنا المعيشية على الأقل الخاصة بنا، وبالتأكيد كم كانت فرحتنا بالمعاش حين استلامه خاصة أول مرة أياً كان قدره.

ومَن لم يجد وظيفة أو صَعُبَ عليه الالتحاق بوظيفة بسبب عدم وجود المواصلات مثلاً (وهذا كان شائعاً فليست كل أسرة تملك سيارة) فَرَشَ بسطةً أمام منزله وباع أي شيء، المهم أن (يكد) على نفسه في وقت مبكّر، فتلك كانت علامة من علامات الرجولة للشباب خاصة.

الأمر اختلف مع جيل هذا اليوم الذي وجد نفسه في ظل تنافس محموم لعرض فرص وظيفية أقل بكثير من الطلب عليها، لذلك فالشهادة وحدها لم تعد كافية أبداً، بل إنها أحياناً ليست ضمن أولويات شروط القبول، بل تأتي مهارات أخرى شخصية ومهنية أكثر طلباً وأهميتها تسبق الشهادة الأكاديمية، لذا أصبح العمل في الإجازات الصيفية ضرورة وليس ترفاً.

خاصة مع تغيّر السوق وتعقيداته، فالقطاع الخاص ليس ملزماً بشروط الخدمة المدنية في القطاع الحكومي، فله حرية التصرّف في تقدير احتياجاته ومَن يستوفيها وقبوله.

والتنافس والسوق الحُرّة المفتوحة زادت من الباحثين عن الوظائف، بحرينيين وغير بحرينيين، في أسواقنا.

أمام هذا المشهد أصبح إعداد وتأهيل الأبناء لسوق العمل مهمة ليست سهلة أبداً، لم يعد إلحاقهم بالمدارس وانتظار تخرّجهم كافياً، ففُرَصُهُ في الحصول على وظيفة بهذا الاكتفاء تقلّ كثيراً عن غيره من الشباب (الحرج) أي النشيط الذي يهتم بزيادة مهاراته بكل وسيلة حتى أيام الدراسة، لا يسكن ولا يكتفي بصفّه فتجده مشاركاً في أي نشاط لا صفيّ، بل مُركِّزاً في اختياراته للأنشطة في ما يظن أنه سيخدمه بعد تخرّجه في زيادة عدد صفحات السيرة الذاتية التي سيتقدّم بها للوظيفة.

لذا أصبحت مسألة البحث لهم عن وظائف خلال العطلة الصيفية حاجة ضرورية جداً، ومِن ثَمّ حثهم على الانخراط بأنشطة خارج المدرسة أو خارج الصف أثناء العام الدراسي أيضاً حاجة ضرورية.

من ينخرط في السوق مبكّراً يشمّ رائحة القهوة مبكّراً ويمتاز عن حامل نفس الشهادة الأكاديمية الذي لم يعرف غير المدرسة مكاناً لاكتساب المهارات، حتى وإن كان مجموعه أعلى فإن تجربة العمل إضافة قيّمة تأخذ في أحيان كثيرة ذات الأهمية إن لم تضاهيها عن الفارق في علامات التخرّج.

فكم عدد الأُسر البحرينية التي تحثّ بل تُجبر وتدفع بأبنائها لسوق العمل منذ سِنّ مبكرة؟

وبالمقابل كم عدد الأمهات والآباء الذين يستسلمون بسهولة أمام رفض أبنائهم وتوسّلاتهم أن يتركوهم ليناموا في الإجازة الصيفية؟

وكم عدد الأمهات والآباء الذين لم يفكروا أبداً من الأساس في مساعدة أبنائهم في إيجاد وظيفة في العطلة الصيفية؟

الدخول المبكّر -سِنّاً- لسوق العمل سواء في دورات تدريبية أو العمل المباشر أو المبادرات الخاصة كالمشاريع الصغيرة أصبح ضرورة لعيالنا إن أردنا لهم أن ينضجوا ويفهموا الدنيا.

هامش

«كداد» من الكد أي الجهد والتعب.