هل هو زمن صعب الذي نعيش به، أم من يعيشون به هم من حولوه إلى صعب، هل هو ذات الزمان الذي أنجب لنا جهابذة الشعر والأدب والثقافة، والفرسان الذين يعتد بهم في مختلف الساحات، والمفكرين الذين صنعوا أساس الفكر والتغيير، والتربويين الذين تتلمذ على أيديهم نخبة من قادة الوطن، والرجال القادة الذين نقلوا تربية آبائهم وأجدادهم إلى أجيالهم اللاحقة، هل ولى زمن (السنع) وطارت العادات والتقاليد والأعراف بلا رجعة، أم أنها نقلة نوعية عالمية غيرت من خلالها عاداتنا وتقاليدنا إلى ما هو مستحدث بل وغريب على مجتمعاتنا التي من المفترض أنه مجتمع أصيل يرحب بالحداثة ولكن بحدود، ويتقبل الجديد ولكن بما يتناسب مع الأصالة.ما نتحدث عنه هو غزو فكري طال معظم أبناء هذا الجيل، إلا من رحم ربي، بدأ يتشكل هذا الفكر شيئاً فشيئاً حتى تغلغل فينا دون أن نعيه، وبات واقعاً لا نقدر حتى على استنكاره، زيارة واحدة للمقاهي والمطاعم والمجمعات كفيلة بأن تشاهد التقليد المفرط في الأزياء وكذلك في الماركات العالمية التي استنزفت الأُسر وأهلكت ميزانيتها، ناهيك عن قصات الشعر الغريبة، وطريقة التحدث التي تحمل بين طياتها مفردات مستنكرة، حركات الجسد التي تثير الاستغراب. مؤثرون باتوا قدوةً لشبابنا حتى إن مؤثرينا العرب استلهموا أفكار أولئك غريبي الأطوار ونقلوا ثقافتهم لنا ولأبنائنا، غاب الحياء عنا وعن أفراد أسرنا، بدأ بر الوالدين في الاختفاء، إعلام إلكتروني روّج ويروّج بشدة للاستقلالية المنفلتة ضارباً عرض الحائط بسلطة الوالدين، روابط عائلية تآكلت، ثقافة استهلاكية برزت، تمرّد جيل على آبائهم بدأ في البروز على أرض الواقع، تباهٍ بالمظاهر والكماليات على حساب الأساسيات، غياب الجوهر، جميعها أمثلة على الواقع المؤلم الذي يجب عدم إغفاله.حالة من الاضطراب الفكري ستؤدي إلى تآكل الهوية الثقافية وبالتالي ستتحول مجتمعاتنا إلى أفراد بلا هوية فاقدين للأصالة وغير قادرين على تحمّل المسؤولية، والدلائل والشواهد على ذلك كثيرة، ومنها محتوى مواقع التواصل الاجتماعي التي تفاجئُنا يومياً بعادات غريبة ومستنكرة على مجتمعاتنا.لابد من أن نعمل بشكل واقعي وحقيقي على تعزيز الهوية الوطنية، وهي لن تتفعل إلا إذا وعت الأسرة وساعدها في ذلك المبادرات الفعلية الحقة، المقرونة بالوعي لا بالتبعية العمياء لمواقع الهدم الاجتماعي، لنعمل على مجابهة ذلك الغزو والفكر الغريب بمحتوى قريب من هذا الجيل وهو المحتوى الرقمي الذي يعتمد عليه في استقاء حداثته، فالأوطان لا تُحمى بالسلاح فقط، بل تُحفظ بهوية تسكن العقول وتتربع بالقلوب.
في هذا الزمن الصعب
فواز العبدالله
فواز العبدالله