الأجيال القادمة ستتعرّف على تاريخنا من الذكاء الاصطناعي، فهل نترك غيرنا يكتب تاريخنا؟ هل نريدهم أن يتعرّفوا على تاريخ وطنهم من غيرنا؟ ذلك عنوان لمقال كتبه الكاتب الإماراتي «محمد جلال الريسي»، توقفت عنده كثيراً وحاولت أن أرى واقعنا في البحرين على ضوء هذا العنوان، فكانت النتيجة مؤسفة حقاً من جميع النواحي، فلم نعمل على حضور تاريخنا بروايتنا في هذا الفضاء المستقبلي، ومن سيبحث عن تاريخنا في الذكاء الاصطناعي سيجده مكتوباً على لسان غيرنا ووفق هواه.

أتدرون حجم المشكلة؟

أولاً؛ هناك تاريخ للبحرين لم يُكتب من الأصل، أي لم يوضع حتى على ورق ناهيك على الإنترنت، معظم ما هو موجود عن تاريخنا نُقِلَ من «المصادر» القديمة على ندرتها وحسب ما كتبه معاصرون بحرينيون قِلّة وغير بحرينيين هم النسبة الأكبر، وكتبوه حسب رؤيتهم للأمور، حسب مصالحهم، وفق أهوائهم، وحين تقرأ العديد من الأحداث تكتشف أن هناك أكثر من رواية لذات الحدث حتى وقت حدوثها كلٌّ يرويها وتُحرّكه أهواؤه، ثم تكتشف أن لها رؤى جديدة عصرية وخاصة بك يصل لها عقلك ومنطقك سيعطي منظوراً مغايراً للأحداث، تماماً كما ترى الأحداث المعاصرة التي تجري الآن وتعايشها بنفسك ومع ذلك تجد للحدث أكثر من رواية وأكثر من تفسير وأكثر من منظور وكثير منها نقيض بعضها بعضاً، فما بالك عن أحداث تاريخية كلّ ما تملكه عنها من معلومات هو ما رآه غيرك؟

ثانياً؛ نأتي إلى ما هو مُحمّل وموجود على الإنترنت في الوقت الحاضر عن تاريخ البحرين العريق باعتباره الوسيلة التي سيلجأ لها الجيل القادم، وبالأخص حين يبحث عنه في آخر وسائله البحثية -حتى اللحظة- وهو الذكاء الاصطناعي، فلا تجد أبداً محتوى يروي سرديتنا عن تاريخنا إلا فيما ندر ندرة شديدة، فمن أين سيعرف الجيل القادم هذا التاريخ وأنت لم (تلقّمه) المحتوى الذي تريده أصلاً؟

فالذكاء الاصطناعي لن يخترع لك رواية أو معلومة، هو سيبحث لك فيما هو موجود من تلقيم سابق وضعه أيُّ أحدٍ غيرك ويعطيك إياه، بشكل أسرع بكثير مما قد تفعله وأنت تبحث عن معلومة في كتاب ورقيّ، وكيفما تلقّمه سيروي تاريخك، ونحن هنا حتى اللحظة لم نبدأ من نقطة الصفر بعد، أي لم نكتب المحتوى وفق سرديتنا، لم نقرأ المصادر القديمة بقراءة عصرية تُعيد تسمية الأشياء، وما هو موجود قليل جداً جداً جداً، ما هو موجود شتات مفرّق هنا هناك، العديد منه يحتاج إلى إعادة تمحيص وبحث وغربلة وقراءة عصرية، وثم بعد ذلك نضع ذلك المحتوى العصري في متناول الذكاء الاصطناعي، حتى إذا ما احتاج أحدٌ أن يعرف تاريخنا سواء أكان من أجيالنا القادمة أو باحثين وأكاديميين سيجد أمامه وبكثرة ما يُشبع فضوله ويُغنيه عن روايات الآخرين.

المؤسف حقاً في هذا الموضوع أننا إلى الآن لم نعرف بعد حجم تأخرنا ونجهل إلى أي درجة نحن بعيدون عما هو مطلوب، ولم نُعِر بعد الاهتمام الكافي لهذا القصور الفظيع، والمؤسف الأكثر أننا بعد أن جهلنا وضعنا، نجهل قيمة خسارتنا، وهذا هو الأدهى والأمَرّ.

فإذا كنّا نرى في ستة آلاف دينار سنوية لا بد أن ندفعها لمنصة إلكترونية تنشر محتوانا وإنتاجنا مبلغاً كبيراً ولا (يسوى) لِنَقْلِ تاريخنا للعالم، وذلك بوضع المحتوى الموجود -بعيوبه وبنقصه- على الشبكة، فهل نتوقّع معالجة هذا التقصير حتى نصل إلى الذكاء الاصطناعي؟

أعلم أننا سلّمنا واستسلمنا ومن الآن نودّ أن نتأسّف لأجيالنا القادمة على تقصيرنا!