وسط أجواء روحانية كنت فيها مع الأسرة في رحاب بيت الله الحرام لأداء العمرة، شعرنا خلال هذه الرحلة الإيمانية بسكينة وطمأنينة لا يمكن وصفها بالكلمات، من الوقوف أمام الكعبة المشرّفة والطواف بالبيت إلى السعي بين الصفا والمروة وترديد الأدعية ومعي الأطفال الصغار وهم يعيشون اللحظة ويتعلمون حب زيارة مكة المكرمة والتعود مرة تلو الأخرى لزياراتها والقرب من الله تعالى، هذه النعمة التي نعيشها في دول الخليج من الزيارة لمكة بكل سهولة ويُسر قد تكون لدى البعض من المسلمين في العالم صعبة ويمكن أن يحج أو يعتمر مرة في حياته، لذلك علينا أن نحمد الله ونشكره أن بلغنا لأداء العمرة والصلاة في البيت الحرام.

وحقيقةً، وسط الجموع الغفيرة من المصلين والمعتمرين لفت نظري حجم الجهود الجبارة التي تبذلها المملكة العربية السعودية في خدمة ضيوف الرحمن، التنظيم الدقيق، ونظافة الحرم والساحات الخارجية بشكل دائم، والتسهيلات المتوفرة في كل زاوية من زوايا الحرم تؤكد مدى اهتمام القيادة السعودية وتوجيهاتها المستمرة على تهيئة كل سُبل الراحة للمعتمرين وطبعاً في مقدمة ذلك سلامتهم، فكل شيء يسير بانسيابية مذهلة رغم الأعداد الكبيرة من الزوار.

وخلال هذه الرحلة تعرّضتْ ابنتي لوعكة صحية مفاجئة، وقمنا بنقلها فوراً إلى أقرب مستشفى حيث يقع في وسط الحرم المكي وهو مستشفى أجياد للطوارئ الذي استقبلنا على الفور وقام طاقم الممرضين بتقديم الحالة عن الباقي واعتبروها حالة طارئة، وبكل سرعة تم تسجيل البيانات وتحويلها إلى الترقيد ليقوم الطبيب بفحصها. وحقيقةً، أعجبت بالخدمة الطبية التي تلقيناها بكل إنسانية واحترام من قِبل طاقم طبي مؤهّل وعلى مستوى عالٍ من الكفاءة والخبرة في التعامل مع الحالات الطارئة لأي معتمر دون أي تفرقة وبشكل مجاني بالكامل، وسط اهتمام كبير وحرص واضح على راحة المريض وذويه.

هذه التجربة زادت من امتناني للمملكة العربية السعودية، قيادةً وشعباً لما توفّره من خدمات عظيمة لضيوف الرحمن. فحقاً وفي واقع الأمر لم تكن رحلتنا لأداء العمرة فقط رحلة دينية، بل كانت أيضاً شهادة حية على الجهود العظيمة التي تبذلها المملكة لخدمة الإسلام والمسلمين من جميع أنحاء العالم، وهي ليست بغريبة على المملكة بقيادتها التي تولي اهتماماً بضيوف الرحمن، وهذا ما نراه ويشاهده العالم أيضاً خلال موسم الحج الذي يحضره الملايين من المسلمين من كل بقاع العالم الإسلامي، ورغم تلك الحشود المليونية نرى الدقة في التنظيم دون أي حوادث تذكر، وموسم العام الماضي قد كان مثالاً وشاهداً حياً على ذلك.

همسةفي زحمة الحياة تبقى رحلة العمرة محطّة إيمانية تصفو فيها القلوب وتتضرّع لله بالخشوع والسكينة، التي كانت بفضل من الله تعالى ثم بالجهود المباركة التي تبذلها المملكة العربية السعودية في خدمة ضيوف الرحمن، من تسهيلات وتنظيم دقيق ورعاية طبية وأمنية جعلت من هذه الرحلة تجربة آمنة وميسرة ومليئة بالطمأنينة.