وسط صمت عالمي مُخزٍ شاهدنا ما لا يمكن تخيّله بالعقل أو وصفه باللسان ما يتعرض له شعب غزة الصامد من تجويع ممنهج متعمّد من قِبل إسرائيل ومن يعاونها ويشجعها على الإبادة الجماعية البطيئة لمئات الآلاف من المدنيين العُزّل من أبناء قطاع غزة بينهم أطفال وشيوخ ونساء يموتون ويحرمون من أبسط مقومات الحياة وهي الماء والغذاء والدواء والكهرباء. حقيقةً، رأينا الصور والفيديوهات للأطفال الرُّضّع وهم يموتون جوعاً أمام عدسات الكاميرات وأمام مرأى ومسمع العالم المتحضّر الذي يدّعي المثالية ويدعو ويناشد ويتشدّق بالإنسانية وحقوق الإنسان وهم اليوم يسكتون ولا ينطق أحد منهم وهم يرون الرُّضّع يفقدون أرواحهم في حضن أمهاتهم وهم يودّعون الحياة ببطء بسبب سوء التغذية، أم إن إنسانية الغرب والولايات المتحدة الأمريكية التي تدّعي الإنسانية والرحمة لا نراهم يتحركون إلا لحماية الحيوانات، أما موت أطفال فلسطينيين فلا يُثير لديهم سوى بيانات باهتة لا تُسمن ولا تُغني من جوع.

مشاهد تُدمي القلوب وستكون وصمة عارٍ وخزيٍ في جبين الإنسانية وستظلّ تُلاحقنا كعرب ومسلمين وستظلّ هذه الصور محفورةً في الذاكرة ولن تغيب وستُكتب في تاريخنا، وأجزم بأنه سيأتي يومٌ تخجل فيه أجيالنا من صمتنا المُطبق ولن تسامحنا على عجزنا وقلّة حيلتنا كحكومات وشعوب، هذه الكارثة الإنسانية ليست وليدة اللحظة بل هي نتيجة سياسات إسرائيل لسنوات طويلة وبضوء أخضر من واشنطن هدفه خنق وحصار غزة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً تحت ذرائع أمنية لا تستند لأي أساس. ما تريده إسرائيل هو إبادة جماعية لشعب غزة وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية وقد رأينا الحرب عليهم وكم من الآلاف الذين قُتِلوا واستُشهدوا جرّاء قصف المنشآت الإغاثية والمستشفيات والمخابز وحتى المدنيين وهم يتسلمون المساعدات الغذائية يتمّ قصفهم في انتهاك صارخ للأعراف الدولية والمواثيق الحقوقية.

غزة العِزّة والصمود تتضور جوعاً وأرواح أطفالها وشيوخها تفيض إلى بارئها دون أن يُحرّك أحدٌ ساكناً، فما نراه هو إبادة شعب أمام أعين العالم والله إنها وصمة عار في جبين البشرية ومجزرة موثّقة بالصوت والصورة في زمن العولمة وحقوق الإنسان المزعومة، لم نرَ الأمم المتحدة تتحرّك ولا مجلس الأمن ولا مجلس حقوق الإنسان ولا المفوضيات الحقوقية ولا الدول الغربية الأوروبية ولا الولايات المتحدة الأمريكية التي تدّعي المثالية تستطيع وقف إسرائيل وإيقافها عند حدها، ولا رأينا أي دولة عربية أو إسلامية تقف وتتحدث عمّا يجري بقوة أو تقول كلمة الحق. التاريخ لن يرحم هذا الصمت المخزي ولن يغفر للمتفرجين على مجاعة شعب غزة. أين ضمير العالم؟ أين الإنسانية؟ أين الرحمة؟ أين هي مبادئ حقوق الإنسان؟ أم أنها حِبرٌ على ورق؟ أسئلة كثيرة تطالب العالم بضمير حي، فهل من مجيب؟

همسةهمسة للعالم أجمع، أين الضمائر الحية؟ أين العالم مما يحدث في غزة؟ الناس تموت من التجويع، رأينا أرواح الأطفال تذبل وهم يموتون ويصرخون من ألم الجوع، وكبار السن يودّعون الحياة بلا دواء ولا رغيف، إنها إبادة جماعية، فهل من قلب يستفيق؟