خصصت مجلة «تايم» الشهيرة غلافها الأخير لرئيسة وزراء إيطاليا جيورجيا ميلوني والتي وصفتها بأنها أكثر الشخصيات إثارة في أوروبا. فبعد مرور 3 سنوات من ترؤسها للحكومة الإيطالية تذكر المجلة أنها أثبتت قدرة فائقة على التعامل مع القادة الأوروبيين باختلاف توجهاتهم وأيديولوجياتهم، ونجحت في كسب ثقتهم، وتؤسّس معهم حالياً تحالفات متينة، وليس ذلك فحسب، بل أصبحت محط إعجاب كل من رئيس ونائب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وتلعب دوراً كبيراً في التوفيق وتقريب وجهات النظر بين إدارة ترامب والاتحاد الأوروبي.

وقد وصفها نائب الرئيس الأمريكي جي دي فانس بأنها صريحة للغاية، لكن دون أن تكون هجومية مؤكداً أن ذلك يعد مهارة نادرة.

وميلوني التي تعد أول امرأة في التاريخ تتولى منصب رئاسة الوزراء في إيطاليا سطع نجمها في سماء السياسة الإيطالية في سن صغيرة وتحديداً عندما عينها بيرلسكوني رئيس الوزراء الأسبق في إحدى حكوماته وزيرة للشباب وهي في سن 31 عاماً لتصبح أصغر من يعين وزيراً في تاريخ إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية. أي أن هذه المرأة التي تنحدر من أسرة متواضعة الدخل، والتي تركها أبوها وهي طفلة لم تتجاوز 3 سنوات؛ مما جعلها تعيش طفولة قاسية، حققت ألقاباً وإنجازات لم يحققها أي إيطالي من قبل! وعلى الرغم من كل ذلك، ترفض ميلوني أن تلتزم بكوتا لمنح المرأة أية أفضلية في العمل أو المناصب، وتعتبره تمييزاً مرفوضاً.

على الصعيد الداخلي، يؤكد المراقبون أنها نجحت في فرض الاستقرار في الحكومة الإيطالية المعروفة بفوضويتها، وحسنت من تصنيف الدولة الائتماني.

وفي نفس الوقت، اتجهت نحو تأمين قبضتها على مؤسسات الدولة، وواجهت الإعلام وقلصت من نفوذه كما فرضت سيطرتها على السلطة القضائية، ولاحقت المهاجرين غير القانونيين بشراسة، وقلصت من بعض أشكال الاحتجاجات العامة والمظاهرات وهي خطوات تدل على الجرأة والقوة، وتعد تحدياً صريحاً للمفاهيم الليبرالية في إدارة الدولة بل ولمفهوم الدولة الديمقراطية بشكل عام.

وقد أشاد العديد من القادة الأوروبيين بسياسات ميلوني في التصدي للهجرة غير الشرعية، والتي يردد أنها أدت إلى انخفاض التسلل للحدود بنسبة 64٪؜ وأبدوا رغبتهم تطبيق سياستها في مواجهة تدفق المهاجرين، وعلى رأسهم كير ستارمر رئيس وزراء بريطانيا الذي زارها في إيطاليا، وأكد حرص بلاده تعميق تعاونها مع إيطاليا ومع ميلوني تحديداً في هذا الجانب. وقد حصلت ميلوني على الإشادة والتقدير أيضاً من الدول والقادة العرب الذين زارتهم في بلدانهم، وزاروها في روما والتي حرصت على توطيد علاقاتها معهم، ومن بينهم مملكة البحرين.

جيورجيا ميلوني، 48 عاماً، المؤسسة لحزب «إخوان إيطاليا» اليميني، والتي لم يثنِها عدم حصولها على تعليم جامعي، من تحقيق قفزات غير مسبوقة على الصعيد المهني، استطاعت في فترة رئاستها الحالية من تجميع كل التيارات اليمينة تحت مظلتها، فأصبحت فريقاً واحداً بدلاً من أحزاب متفرقة، وهذا ما عجز عنه رؤساء آخرون في أوروبا.

كما نجحت في جعل إيطاليا اليوم لاعباً فاعلاً على صعيد الدبلوماسية العالمية بعد فترة طويلة من السبات. وهي لا يهمها الاتهامات التي يوجّهها لها خصومها حول ميولها الفاشية، فشعارها «علينا حماية من نحن، وحماية ثقافتنا، وحماية هويتنا، وحماية حضارتنا».

ولمن يعيش هذه الحقبة، لا أستبعد أن يشهد الآن ولادة امرأة حديدية جديدة تضاهي في قوتها وتأثيرها مارجريت ثاتشر أو أنديرا غاندي اللتين كانتا من أهم وأبرز شخصيات المشهد السياسي العالمي في الثمانينات.