قبل فترة أخبرتني زميلة لي أن الجهات المعنية نجحت في الوصول إلى عاملتها المنزلية التي اختفت منذ أشهر، حيث تم إيداعها في مركز إيواء ضحايا الاتجار بالبشر، بعد أن تم تخليصها من أشخاص تاجروا بها لعدة أشهر، وأجبروها على ممارسة الدعارة في عدد من الشقق، وكذلك حرمانها من أوراقها الرسمية أو إمكانية الاتصال مع أي شخص.

استرجعت هذه المحادثة، وأنا أتابع استعداد العالم للاحتفاء باليوم الدولي لمكافحة الاتجار بالأشخاص، والذي يصادف في الثلاثين من يوليو من كل عام، كمحاولة لتذكيرنا أن هناك بشراً يباعون ويشترون كما تباع السلع، وبدون رحمة أو شفقة.

في زمن الانفتاح والتواصل؛ قد لا يتصور البعض أن هناك أشخاصاً لا يعاملون كبشر، أناس يتم استغلالهم وسلبهم وانتهاكهم، أناس يتم نقلهم عبر الحدود دون أن يكون لهم رأي، فجريمة الاتجار بالبشر ليست اعتداء على الجسد فقط، بل على الكرامة، وعلى المعنى الأسمى لكوننا بشراً.

تأملت العديد من تقارير الأمم المتحدة التي تقول إن ملايين النساء والرجال والأطفال حول العالم يقعون ضحايا لهذه الجريمة، وتحديداً في الدول التي تعيش صراعات أو أزمات أو حتى تحت غطاء «الفرص الزائفة»، مثل ما جرى مع العاملة، حيث تزداد المأساة حين تصمت الأنظمة أو تتهاون القوانين.

في البحرين، بلد الإنسانية والرحمة والتسامح، الوضع مختلف تماماً، حيث استطاعت أن تكون في مقدمة دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مكافحة الاتجار بالأشخاص، حيث احتلت ولعدة سنوات المرتبة الأولى ضمن تصنيف المستوى الأول، في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية، وهو تصنيف لا يمنح إلا للدول التي تظهر التزاماً فعلياً، لا مجرد وعود.

ولا شك أن ما تحقق يعود إلى جملة من السياسات والجهود المتكاملة، تقودها اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص، وبتنسيق مباشر مع وزارة الداخلية والجهات القضائية ومؤسسات المجتمع المدني، عبر تشريعات وآليات إيواء، ومركز لحماية ودعم الضحايا، ودورات توعوية لأفراد الشرطة، واستجابة قانونية فورية لأي بلاغ، بل أكثر من ذلك، أصبح للبحرين نموذج تستفيد منه الدول والمنظمات دولية كأحد أفضل الأمثلة على المستوى الإقليمي.

في الثلاثين من يوليو، لا نحتاج فقط إلى تذكر الضحايا، بل إلى تعزيز الحصانة المجتمعية ضد هذا النوع من الجرائم، وأن نربي أبناءنا على احترام الإنسان، أيا كان لونه أو وظيفته أو خلفيته، وأن نعلمهم أن العامل في الشارع، والمساعدة في المنزل، والموظف البسيط... كلهم بشر، لهم حقوق، لا يجوز المساس بها.

لأننا إذا فقدنا احترامنا للإنسان، فقدنا كل شيء.

إضاءة

«تواصل حكومة البحرين جهودها الجادة والمستدامة في مكافحة الاتجار بالبشر، من خلال تطوير الإطار القانوني، وتعزيز الشراكات المؤسسية، وتوفير الحماية الفعلية للضحايا». «تقرير وزارة الخارجية الأمريكية في 2024».