حين ترى (جلداً) لأي إسرائيلي يجرؤ على الظهور في الإعلام الغربي هذه الأيام؛ لأنه يحاول أن يُبرر ما تقوم به حكومته يقابله عجز وإفلاس في القدرة على الدفاع والرد، ويستمر الجلد الفاخر على جميع القنوات بكل توجهاتها وخطوطها السياسية بما فيها التي كانت بيتاً للصهيونية فيما مضى، فاعلم أن الرصيد الضخم الذي جمعته إسرائيل طوال الأعوام السابقة من التعاطف قد انتهى.
ثمانون عاماً احتفظ اليهود الغربيون، سواء الأوروبيون منهم والأمريكيون برصيد «تعاطفي» دولي حماهم طوال الفترة السابقة، وأعطاهم الحق في أي رد فعل للدفاع عن أنفسهم، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945م وهم يحصدون التعاطف باعتبارهم ضحايا للاضطهاد الإثني وحملات التطهير والإبادة التي جرت في أوروبا، وجمعوا رصيداً تعاطفياً كبيراً جداً من جريمة الهولوكوست التي ذهب ضحيتها 6 ملايين يهودي أحرقوا على يد النازيين الألمان.
الرصيد تم تجميعه بشكل مدروس وممنهج، ولم يكن مجرد اجتهادات فردية، بل يقف وراء حجم الرصيد أذكى العقول وأغناها في الولايات المتحدة الأمريكية وفي أوروبا، ويقف وراءه عمل مؤسسي ومنظمات والحق يقال، فإن معاناة اليهود الأوروبيين لا يمكن لأي بشر أن يقلل من شأنها، فنحن هنا نتحدث بمقاييس إنسانية صرفة، والصهيونية العالمية وظفت هذه المأساة توظيفاً ممنهجاً بشكل يدرس وتحولت إلى أنموذج تتعلم منه الأقليات ومضرباً للمثل، وعلى قدر من الذكاء وعلى درجة عالية من المهنية أحسنوا توظيف معاناتهم كي تشكل لهم فيما بعد مظلة تحميهم وتكفيهم طوال السنوات الماضية منذ أن أسسوا دولة إسرائيل إلى اليوم.
كان الرصيد كافياً للتبرير ولمنح العذر والتغطية لكل ما ارتكبوه من بداية الاحتلال 1948م إلى يومنا هذا، خاصة أن تعبئة الرصيد عملية ظلت مستمرة بلا توقف طوال تلك الفترة مستغلة كل ما يمكن استغلاله، بما فيه استغلال الفقر المهني للإعلام العربي الذي لم يعرف كيف يخترق الحاجز ويكشف انتهازية وسوء استغلال الصهيونية للمعاناة الإنسانية لليهود.
سخّرت التنظيمات الصهيونية إمكانيات هائلة حولت الرصيد إلى فائض سمح لها بتهديد من يسائلهم أو يتجرأ أن يتعاطف مع الفلسطينيين.
وإنما وهنا المفاجأة، تم استنزاف الرصيد بسرعة فائقة، لم يكن أحد يتصور أن رصيداً تمّ تجميعه في ثمانين عاماً تمّ استنزافه كله خلال عامين فقط، منذ أن بدأ نتنياهو انتقامه المشروع في نظر العالم لما حدث في السابع من أكتوبر، ومنذ اخترقت وسائل التواصل الاجتماعي جميع قلاع وحصون وسدود وأسوار الصهيونية التي حجبت ولثمانين عاماً ما كانت إسرائيل ترتكبه من مجازر تم استنزاف الرصيد.
اليوم جرّد نتنياهو واليمين الإسرائيلي جميع الإسرائيليين مدنيين أو إعلاميين أو عسكريين من غطائهم المالي فعلياً ومعنوياً، ليس هناك رصيد تعاطفي ممكن أن ينقذ الإسرائيليين من غضب عالمي لم يسبق له مثيل، حتى التهديد بمعادة السامية انتهى رصيدها، وأفلست ولم تعد تخيف أحداً.
ما تنقله وسائل التواصل الاجتماعي بالدرجة الأولى ببث مباشر من الداخل من مشاهد تبين حجم الفظائع المروعة من تجويع وقتل وحشي طغى على كل رصيد حتى رصيد الهولوكوست وهو الأكبر.
أي مدافع عن إسرائيل من الحكومة الإسرائيلية أو غيرها سيسمع هذه العبارة «رصيدك غير كافٍ لتبرير جرائمك».