سلمان ناصر
في عالم تتزاحم فيه الشعارات حول حقوق المرأة، تبرز تجربة مملكة البحرين كنموذج استثنائي، حيث لا تقتصر الجهود على شعارات سطحية، بل تُترجم إلى خطط وطنية محكمة، وسياسات واقعية، ورؤية واضحة يقودها المجلس الأعلى للمرأة برئاسة صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة، قرينة جلالة الملك المعظم.
لقد جاء تأسيس المجلس الأعلى للمرأة في 2001 كإرادة سيادية واستراتيجية، جسدها تبني جلالة الملك المعظم للاستراتيجية الوطنية لنهوض المرأة في 2005، لتبدأ بذلك رحلة مؤسسية تستند إلى الثوابت الدستورية، وتتكامل مع خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية. هذه ليست مجرد مبادرات جزئية، بل رؤية تنموية شاملة تُعامل المرأة كمواطنة فاعلة، وشريك في القرار، وعنصر استقرار مجتمعي وتنموي.
وتمضي البحرين اليوم بخطى واثقة نحو مرحلة جديدة، مع الخطة الوطنية لنهوض المرأة البحرينية (2025–2026)، التي تشكل استكمالاً لسلسلة من الخطط المتراكمة، والمبنية على تقييم دوري وتجارب عملية، بما يعكس النضج المؤسسي في التعامل مع ملف المرأة، والوعي بأهمية المواءمة بين التقدم المحلي والتزامات البحرين الدولية.
ما يُميز هذه الخطة هو توجهها إلى ما بعد التمكين، نحو الريادة النوعية. فالمجلس لا يكتفي بتكافؤ الفرص، بل يسعى لخلق بيئة تتصدر فيها المرأة المشهد في القطاعات الحيوية: من الاستقرار الأسري، إلى جودة الحياة، إلى المشاركة الاقتصادية، وصنع القرار. كل ذلك ضمن إطار محكم يراعي خصوصية الهوية البحرينية، دون أن يغفل عن مرجعيات مثل الاتفاقيات ذات الصلة، وأهداف التنمية المستدامة 2030، وبرنامج الحكومة ورؤية البحرين الاقتصادية 2030.
إن الحديث عن تمكين المرأة في البحرين لم يعد يتعلق بالمفاهيم التقليدية، بل بات مرادفاً لفكرة تحصين المجتمع، وبناء الإنسان القادر على التأثير محلياً وتمثيل بلاده إقليمياً ودولياً. والمرأة البحرينية، التي وصلت اليوم إلى مواقع قيادية في قطاعات كانت حتى وقت قريب حكراً على الرجال، ليست فقط شاهدة على التحول، بل فاعلة فيه ومهندسة له.
هذه الإنجازات لم تكن لتتحقق لولا التزام سياسي عالٍ، وإرادة وطنية واضحة، ورؤية مؤسسية عميقة جسدها المجلس الأعلى للمرأة، الذي يواصل البناء على أسس راسخة.
حجر الزاويةفي قلب هذا المشروع الوطني، تتجلى حقيقة لا يمكن تجاهلها: أن نهوض المرأة ليس قضية فئوية، بل هو حجر الزاوية في نهضة الوطن بأسره. لقد أثبتت التجربة البحرينية أن تطور المجتمع مرهون بقدرة مؤسساته على خلق التوازن، وتمكين كل فرد من أفراده، دون استثناء أو تهميش.
وإذا كانت المرأة البحرينية قد عبرت مرحلة «التمكين»، فإننا اليوم على أعتاب مرحلة «الريادة»، حيث يُعاد تعريف دور المرأة لا بوصفه تابعاً أو ملحقاً، بل كجزء أصيل في معادلة التنمية والاستقرار.
إن الرهان الحقيقي ليس فقط على ما أُنجز، بل على ما يمكن أن يبنى عليه. والمجلس الأعلى للمرأة، برؤيته الحكيمة ونهجه المتوازن، يبرهن أن الاستثمار في المرأة هو استثمار في مستقبل البحرين.
وهكذا، تبقى المرأة البحرينية ليست مجرد قصة نجاح... بل قوة صامتة تنهض بوطنها، وتقف بثبات على قاعدة عنوانها: التمكين، والتوازن، والريادة.