سنتفاجأ جميعاً بعد خمس سنوات تقريباً بانقراض 22% من الوظائف الحالية، وهذه معلومة ليست مبنية على دراسة أعددتها أنا وصديقي في إحدى جلساتنا في المقهى كتلك المعلومة التي أخبرتكم عنها في المقال السابق، إنما هي في الواقع معلومة أفرزتها دراسات ومقالات وبحوث أجراها منتدى الاقتصاد العالمي، وماكينزي، وغولدمان ساكس، ومؤسسات عالمية بحثية أخرى، وللعلم الـ 22% هذه تساوي 95 مليون وظيفة ستذهب مع الريح، لكن لا داعي للإحباط فالأمر أشبه بوفاة أم أثناء ولادتها توأم، ستذهب الأم ويخرج للعالم اثنين.العالم الآن يقف على حافة قفزة وظيفية، ستحصل في العام 2030، وهو أمر طبيعي في عالم الوظائف، فعلى سبيل المثال في سنة 1900 أي قبل مئة وخمس وعشرين سنة كانت وظائف 40% من الأمريكيين محصورة في زراعة الذرة، واليوم 2% فقط منهم يعملون في هذا المجال، أما ما سيحصل في القفزة الوظيفية القادمة فهو مختلف بعض الشيء، لكن الفكرة واحدة، فمثلاً سنعمل في وظائف لم يخترعها أحد لغاية الآن، وسنحصل على تقييم على عملنا من مدير لا نعرفه ولا نعرف جنسه، لأنه روبوت، وستتغير المهن بين فترة وأخرى بأسرع من تغييرك تسريحة شعرك، ببساطة سننظر في سنة 2030 إلى الوظائف المتاحة، وسنكتشف أن 85% منها لم نكن نعرفه في سنة 2025، لكن الشيء المبشر أن الـ 95 مليون وظيفة التي تبخرت، سيظهر أمامها 170 مليون وظيفة تنتظر من يشغلها أي قرابة الضعف!ولكن كيف ستنقرض الوظائف؟! في الواقع نحن نشاهد ذلك أمام أعيننا، فعلى سبيل المثال عندما تدخل المتاجر الكبيرة، وتجد آلات الدفع الذاتي فعليك أن تعلم أن كل واحدة منها قضت على وظيفة «كاشير» أو اثنين، يكفيك أن تعلم أنه خلال العقد القادم في أمريكا وحدها هناك مليون شخص من العاملين في هذه المهنة سيصطفون في طوابير العاطلين، ليس هؤلاء فقط، بل حتى المبدعين كالمصممين وغيرهم، إبداعهم مهدد بعد ظهور منصات تعمل بالذكاء الاصطناعي تنتج أعمالها بسرعة جن سليمان عليه السلام، يرسم المبدع ورقة شجرة، وفي غضون ذلك يرسم الذكاء الاصطناعي غابة، لكن مع ذلك سيبقى من الوظائف ما لا يستطيع الروبوت أداؤها.ما هو الحل، وكيف سنحافظ على أسباب رزقنا نحن الموظفين؟ الحقيقة هناك خياران، الأول نتعلم وظيفة لا يقوى الروبوت على عملها، وهذه سيتقاتل عليها أكثر الموظفين الحاليين الذين ستختفي وظائفهم، أما الثانية فقد ظهر بعضها، وسيظهر الباقي في المستقبل، وهذه سيكون دخلها كبيراً، فعلى سبيل المثال وظيفة «محفز الذكاء الاصطناعي» راتب موظفها قرابة 200 ألف دولار في السنة، ومدرب الذكاء الاصطناعي وغيرها، وكلها وظائف تتطلب مهارات غير المهارات الحالية، وعليه التغيير ليس صراعاً بين الآلة والإنسان، بقدر ما هو من، من البشر سيواكب التغيير، وهنا يأتي دور التعليم الذي عليه أن يقدم الحل، فالتعليم بوضعه الحالي في العالم لا يقدم الحلول إنما سيجعل البشر يتجاوزوه إلى المهارات مباشرة، 55% من مديري التوظيف في العالم فصلوا الخريجين الجدد خلال عامهم الأول في الوظيفة، الحل يتوقف على جرأة المؤسسات التي تقود التعليم، وتخطط له في العالم، على إعادة تصميم التعليم من الصفر، وهو ما سيحصل إن عاجلاً أم آجلاً، لكن من سيجرؤ على التغيير سيكون له السبق، التعليم إن لم يعاد تصميمه ليكون مبنياً على بناء المهارات بالدرجة الأساس، ستتحول الجامعات كمصنع أدوات احتياطية ينتج أدوات لسيارات موديل 1980 في وقت بالكاد تحصل فيه على عشرة سيارات بهذا الموديل أمام مئات آلاف السيارات الحديثة، والواقع هناك عدد قليل من الجامعات أدركت هذه الحقيقة في وقت مبكر، واتخذت خطوات في حدود ما تسمح به القوانين المنظمة للتعليم.باختصار التعليم الآن ما زال يستخدم تصنيف بلوم «تصنيف متعلق بمستويات الأهداف التعليمية» كقائمة للأفعال، والصحيح في هذا الوقت استخدامه كأداة لبناء كفاءات حقيقية.* عميد كلية القانون الجامعة الخليجية
وظائف مهددة بالانقراض والتعليم هو الحل
أ.د. فراس محمد
أ.د. فراس محمد