في ظل استمرار التصعيد العسكري في قطاع غزة، نكتشف يوماً بعد يوم أبعاد الكارثة الإنسانية التي يعيشها السكان المدنيون، حيث تشير التقارير عن حصيلة ضحايا الهجمات الإسرائيلية التي يعيشها أكثر من مليوني فلسطيني، وسط صمت دولي لأوامر محكمة العدل الدولية بوقف العدوان، وتفاقم غير مسبوق في أعداد الضحايا والمجوعين والنازحين.وزارة الصحة الفلسطينية أعلنت عن أن عدد الشهداء في غزة بلغ حتى نهاية يوليو - وحتى كتابة هذه السطور - أكثر من 59921 شهيداً، بينهم آلاف الأطفال والنساء، إضافة إلى 145233 إصابة، فيما لا يزال أكثر من 9000 مفقود تحت الأنقاض، وفي آخر 24 ساعة فقط، سجلت المستشفيات 100 شهيد و382 إصابة، بينهم 25 شهيداً من طالبي المساعدات، ما رفع حصيلة شهداء “لقمة العيش” إلى 1157 شهيداً.تعيش غزة على حافة المجاعة، حيث سجلت وزارة الصحة 147 حالة وفاة بسبب سوء التغذية، من بينهم 88 طفلاً، وكشفت وكالة الأونروا أن سوء التغذية الحاد تضاعف بين الأطفال دون سن الخامسة خلال الأشهر الماضية، فيما يعاني أكثر من 40% من النساء الحوامل والمرضعات من سوء التغذية،وتحذر منظمة الصحة العالمية من انهيار النظام الصحي، ونفاد الوقود والإمدادات الطبية.وكل ذلك بأكثر من 2 مليون نازح يعيشون في ظروف غير إنسانية، وسط تدمير ممنهج للبنية التحتية، شمل 700 بئر مياه و3,030 كيلومتر من شبكات الكهرباء، إضافة إلى تدمير عشرات المستشفيات والمدارس والمساجد.وتمتد هذه المآسي إلى ما هو أبعد من ذلك، فغزة اليوم شاهدة على واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية فظاعة في العصر الحديث. مدينة محاصرة، منهكة، محطمة، وتعيش على فتات المساعدات، بينما تخنق بآلة الحرب والحصار، وآلاف العائلات تفترش الأرض، ففي غزة، أصبح الصراع بين الإنسان وظله، وبين الجائع ورغيف الخبز، وبين الأم وصرخة طفلها الذي لا يجد الحليب، والمريض الذي يجد الدواء، واليتيم التائه الذي فقد أهله، ليس هذا وحسب، بل ما أصعب حال الناس الذين يتزاحمون على شاحنات الإغاثة كما لو أنهم يتزاحمون على الحياة نفسها بلا نظام، ولا طوابير، فقط أجساد تتدافع، وأرواح تتعلق بكيس دقيق أو زجاجة ماء وبعيون تترقب، وأيادٍ ترتجف من الإنهاك والجوع، لا تزال صابرة على سياسة ممنهجة تهدف إلى تفكيك ما تبقى، فغزة تواجه خطر الموت بسبب نقص الغذاء والرعاية الصحية، والجائع هناك لا يطلب الشفقة أبداً.وبعد كل ذلك ثمة ما يسر إذ أعلنت الحكومة الفلسطينية أن 6 دول جديدة ستعترف بدولة فلسطين خلال سبتمبر المقبل، مع تأكيد السعودية على أن السلام العادل يبدأ بإنصاف الشعب الفلسطيني، ووقف دائرة العنف المستمرة، لتبقى الحقيقة المرة بأن غزة لا تحتاج إلى لقمة تُرمى من السماء ولا لصندوق مساعدات، بل إلى ضمير عالمي حي، يوقف آلة القتل، ويعيد للإنسان الفلسطيني حقه في الحياة. فالمساعدات، هي انعكاس لواقع حزين لشعب يُحاصر بالجوع، ويُقصف بالألم، ويُترك أمام الموت البطيء.
غزة بين السماء والأرض
مداد
سماح علام
سماح علام