عبدالله صويلح
في كثير من الأحيان تتكدّس المسؤوليات فوق عاتق الإنسان، حتى يتجاوز حجمها قدرته الجسدية والنفسية، فيجد نفسه في مواجهة ردود أفعال وتصرفات خارجة عن إرادته. لا يعود قادراً على ضبط أعصابه أو استيعاب تصرفات الآخرين، حتى وإن كانت بحسن نية. هذا الحال لا يفهمه إلا من عاش ثقل المسؤوليات الكبيرة وتراكمات الحياة التي لا ترحم.
المسؤولية لا تقتصر على مهام يومية، بل تشمل التفكير المستمر والقلق المصاحب، وهو ما يستهلك الطاقة بشكل غير مرئي. حين يرهق الإنسان ذهنياً وجسدياً، قد تنقلب الأمور رأساً على عقب، وتُختلّ موازينه، فتتبعثر مهامه وتضيع بوصلته، وتصدر منه تصرفات غير مقصودة، لا تعكس حقيقته، بل تعكس ضغوطه.
ولنأخذ مثالاً على ذلك: شخص مسؤول يضع خطة عمل محكمة، لكن تحت وطأة الضغوط والتغيرات المفاجئة، تتفرع الخطة وتتشعب، فتخرج النتائج سلبية وخارج التوقعات. هذه ليست نتيجة ضعف، بل انعكاساً طبيعياً لتجاوز الطاقات البشرية.
وما ينطبق على الأفراد، ينطبق على المؤسسات. كثيراً ما نقرأ عن هيئات تتعثر، وتُحمّل فوق طاقتها، فتنهار استراتيجياتها وتُحبط فرقها. المؤسسات أيضاً تعمل ضمن حدود إمكانياتها، وإذا تجاوزتها تفقد السيطرة، وتنتج عنها قرارات وردود أفعال خارجة عن السياق.
لكن الفرق الجوهري أن من يقود المؤسسات هو الإنسان ذاته، فإن تمكن من إدارة نفسه، استطاع أن يدير غيره. وهنا تظهر الحكمة الربانية في قوله تعالى :- «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا»، فهذه الآية تؤكد أن تحميل النفس فوق طاقتها لن يؤدي إلا إلى خلل في الأداء وفقدان للسيطرة.
الخلاصة أن الإنسان يجب أن يُقدّر طاقته، ويتعامل مع مهامه بوعي وواقعية، فلا يحمل نفسه ما لا تطيق، ولا ينهك روحه حتى لا تنهار. لأن كل ما يفعله تحت الضغط، سيقاس في النهاية من الناس على أنه سلوك منه، لا من ضغوطه
ومن المهم أن ندرك أن الخروج عن الإرادة ليس ضعفاً، بل هو نداء من الداخل يحتاج لمن يصغي إليه. ولعل هذه الرسائل المختصرة تضيء بعض الزوايا الخفية، امنح نفسك فرصة للراحة، لا تجعل الإنجاز على حساب توازنك النفسي، ما دمت تعرف قدر طاقتك، ستعرف كيف تنهض من جديد بثبات ووعي وسيطرة.