كانت إجازة عاشوراء، وقررنا يومها في تلك الظهيرة الاتجاه إلى أحد منتجعات الخبر بما أن السوشيال ميديا يعج بالكثير من الاقتراحات عن المنتجعات والسياحة البحرية في المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية، لكن يبدو أن «جوجل ماب» أراد في ذلك اليوم أن يأخذنا رغماً عنا وعن طريق الصدفة لاكتشاف منطقة تاريخية عريقة كان من المُحال أن نتعرف عليها لولا المتاهة التي قام بها لنصل إلى حدود مدينة «بقيق».

عندما لمحنا الاسم لأول مرة شعرت بالاستغراب لأني لم أفهم ما معنى «بقيق»، ثم اكتشفت أن إحساسي صحيح نوعاً ما حيث اختلفت الحكايات والروايات حول الاسم، ومن بين الروايات مصادر قالت إن بها منطقة «بقه» وبها منبع ماء مشهور وبقيق اشتقت من بقه وعمر هذه المدينة نحو نصف قرن، وتحيط بها الهجر حيث يبلغ عددها 40 هجرة والمقصود بالهجر القرية أو التجمع السكاني المحدود، وقد انتقلت نقلة نوعية كبيرة حيث تم تخطيطها بشكل نموذجي وحديث وتوزيع البيوت الجاهزة على مواطنيها.

ما شد انتباهنا تاريخ هذه المنطقة العريقة المتجذرة في تاريخ الشرقية بالمملكة العربية السعودية حيث تعتبر هذه المنطقة من أهم المراكز العالمية لإنتاج النفط وأحد أهم ركائز الاقتصاد النفطي السعودي بعد أن تم اكتشاف حقل بقيق فيها عام 1940، والذي يعتبر من أكبر حقول النفط في العالم، ويتم فيه تكرير 7 ملايين برميل نفط في العالم، كما أنه يتبع المنشآت النفطية التابعة لشركة أرامكو، وتقع في بقيق كذلك أهم معامل شركة أرامكو الضخمة التي تأسست عام 1933 المتخصصة في تصنيع الزيت، والذي تحول إلى أكبر مرافق معالجة الزيت في السعودية وأكبر معمل لتركيز الزيت في العالم لذا، فهي تسمى مدينة الخير، ورغم صغر مساحة هذه المدينة الرملية الصحراوية التي يلفها حزام من الرمال الذهبية الناعمة من كافة الاتجاهات حيث تبلغ مساحتها 320 كيلومتراً مربعاً فقط، إلا أنها تحظى باهتمام عالمي كبير كونها أهم أعمدة الإنتاج النفطي في العالم.

أما تاريخياً فهي من المدن السعودية الهامة، والتي تعتبر العاصمة الإدارية لمحافظة بقيق التابعة للمنطقة الشرقية، وتقع ما بين الدمام والهفوف، وتبعد عن بحر الخليج العربي بمسافة 27 كيلومتراً فقط، ورغم أنها منطقة صغيرة المساحة تعتبر مقارنة بالمدن السعودية الأخرى، لكنها تعتبر من أهم مناطق الشرقية الاقتصادية، كما أنها تمثل مركزاً مدنياً وتجارياً هاماً بالنسبة للقرى والهجر المحيطة بها، وتحوي العديد من ذكريات أهل مناطق الشرقية المختلفة الذين سكنوها وعملوا في شركة أرامكو، وتتميز بأنها مدينة هادئة للغاية كما يصفها الجميع وعدد سكانها محدود، وفي السنوات الأخيرة تحولت إلى مدينة خضراء، وبدأت تتجه نحو سياحة المطاعم والمقاهي والسياحة العائلية كما يوجد سوق مشهور فيها عند أهل الشرقية يسمى سوق أبو ميه، وتخرج من هذه المدينة العريقة العديد من مواطني السعودية الذين وصلوا إلى أعلى المناصب في الدولة منهم قياديون عسكريون وطيارون حربيون وكذلك وزير الاقتصاد السعودي فيصل بن فاضل الإبراهيم إلى جانب العديد من المشاهير والمؤثرين كالشاعر سلطان الهاجري كما من الشخصيات التاريخية الشهيرة فيها مسعد بن ناصر المري حيث تقطن هذه المدينة العريقة العديد من القبائل العربية كالمري والهاجري والسبيعي والدوسري والخوالد والعجمان وهناك منهم من انتقل للعيش في دول مجاورة مثل قطر والبحرين. ختاماً مدينة صغيرة على الخارطة، لكنها عظيمة بالأثر وقلب العالم النابض بالطاقة وتاريخها يذكر يومياً في اقتصاد العالم.