في السنوات القليلة الماضية، تحول الذكاء الاصطناعي إلى قوة كبيرة لها وزن ثقيل في الاقتصاد وعالم الأعمال والتمويل، وأصبح أداة استراتيجية في يد الحكومات والشركات الكبرى والصغرى على حد سواء، والأرقام تتحدث عن ذلك فقد كشف تقرير لشركة PwC عن مساهمة الذكاء الاصطناعي في تأثير كبير على اقتصاد منطقة الشرق الأوسط يصل إلى 320 مليون دولار بحلول عام 2030، وقدّر أن الذكاء الاصطناعي قد يساهم بما يصل إلى 15.7 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030، وهو ما يزيد عن الناتج الحالي للصين والهند مجتمعين.ونحن نرى هذا التأثير في حياتنا اليومية بشكل كبير، فهو يظهر خاصةً في تحسين الكفاءة التشغيلية، فالشركات التي تستخدم خوارزميات الذكاء الاصطناعي في إدارة سلاسل التوريد تقلل تكاليفها بنسبة كبيرة، بينما تزيد إنتاجيتها، وفي القطاع المالي مثلاً تستطيع أنظمة الذكاء الاصطناعي تحليل ملايين المعاملات في ثوانٍ لاكتشاف عمليات الاحتيال، وهو ما كان يستغرق أسابيع من العمل البشري، وحتى في مجال الموارد البشرية، أصبحت برامج الذكاء الاصطناعي قادرة على فرز آلاف السير الذاتية في دقائق، وتحديد المرشحين الأنسب للوظائف بدقة أكبر، كما أفادت عدة تقارير بأن الذكاء الاصطناعي يتمتع بالقدرة على إحداث تغيير جذري في الأسواق في الشرق الأوسط، من خلال إنشاء خدمات جديدة مبتكرة ونماذج أعمال جديدة تماماً.وفي الواقع، فإن عدداً كبيراً من البنوك حالياً يستخدم تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تقييم المخاطر وإدارة المحافظ الاستثمارية، وقطاع التجزئة ليس بعيداً عن هذه الثورة الحاصلة، فمتاجر مثل أمازون تستخدم الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بطلبات العملاء قبل حتى أن يعرفوا أنهم يريدون شراء منتج معين، وفي مجال الرعاية الصحية، تساعد أنظمة الذكاء الاصطناعي الأطباء في تشخيص الأمراض بسرعة ودقة أكبر، حيث يمكنها تحليل الصور الطبية بدقة أكبر من الطبيب البشري. كما أن التنافس للسيطرة على الذكاء الاصطناعي والتفوق فيه سيكون مجال الحرب المقبلة، فوفقاً لعدة آراء، قد تتحول الدول إلى مؤسسات وهمية، تفقد كل ما لديها بضغطة زر أو أمر يصدر من جهاز مدعوم بالذكاء الاصطناعي.ربما من المفيد هنا الإشارة إلى تقرير لصحيفة «ذي إيكونوميست» أفاد بأنه في الربع الأول من هذا العام، ناقش المديرون التنفيذيون من 44% من الشركات المدرجة على مؤشر ستاندرد آند بورز 500 الدور الهام للذكاء الاصطناعي في نمو وربحية أعمالهم، فقد صرّح جيمي ديمون، من جي بي مورغان، أن البنك لديه 450 استخداماً حالياً لتقنية الذكاء الاصطناعي، ووفقاً لشركة «يام! براندز»، التي تدير مطاعم كنتاكي وتاكو بيل، فإن الذكاء الاصطناعي سيصبح نظام التشغيل الجديد للمطاعم، فيما قال مالك موقع Booking.com إن الذكاء الاصطناعي «سيلعب دوراً هاماً في تحسين تجارب المسافرين».الذكاء الاصطناعي ليس موجة عابرة، وليس زيادة في الكفاءة والإنتاجية فقط، بل هو تحوّل جذري في طريقة عمل الاقتصاد العالمي، وسيؤثر حتماً على ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، والشركات التي تتبنى هذه التكنولوجيا مبكراً ستكون في المقدمة، بينما التي تتجاهلها ستجد نفسها خارج السوق، والأفراد أيضاً بحاجة إلى تطوير مهاراتهم لتتناسب مع هذا العصر الجديد، فالمستقبل سيكون لمن يفهم أن الذكاء الاصطناعي ليس منافساً للبشر، بل أداة قوية يمكنها أن تطلق إمكانات الإبداع البشري، وتضاعف من إنتاجيته.