سلمان ناصر

حينما نتأمل خريطة التحولات السياسية والاجتماعية في الشرق الأوسط خلال العقود الأخيرة، نلحظ أن دول الخليج عموماً، والبحرين على وجه الخصوص، واجهت معضلة معقدة تتطلب موازنة دقيقة بين حماية الاستقرار السياسي وفتح المجال أمام مشاركة مجتمعية أوسع.

البحرين، التي كانت عبر تاريخها الطويل جسراً حضارياً بين حضارات وطرق تجارة، اختارت مساراً فريداً في العقدين الأخيرين يقوم على دمج حقوق الإنسان والمجتمع المدني في إطار رؤية وطنية للتنمية المستدامة. هذه الرؤية لم تُبن على ردود أفعال مؤقتة، بل على مشروع استراتيجي انطلق مع ميثاق العمل الوطني مطلع الألفية الجديدة، ليؤسس قاعدة قانونية ومؤسساتية تمنح المجتمع المدني مجالاً للتطور تحت سقف الدولة.

أحد أبرز الإنجازات التي يمكن رصدها هو تمكين المرأة البحرينية. فبعد أن كانت المشاركة النسائية في المجالين العام والسياسي محدودة، أصبحت اليوم جزءاً من المعادلة القيادية للدولة. دخول المرأة البرلمان، وتوليها مواقع تنفيذية وقضائية، ليس مجرد مظهر رمزي؛ بل يمثل تحولاً في البنية الاجتماعية والسياسية، حيث تتلاقى التقاليد الوطنية مع متطلبات العصر.

أما على صعيد المجتمع المدني، فقد استطاعت البحرين أن ترسخ منظومة قانونية ودستورية أتاحت نشوء جمعيات أهلية، ومؤسسات خيرية، ومنظمات حقوقية تعمل ضمن إطار تنظيمي يوازن بين الحرية والمسؤولية. هذه المقاربة، من منظور استراتيجي، تحقق للدولة مكاسب مزدوجة:

- تعزيز الثقة الداخلية بين المواطن ومؤسسات الحكم الرشيد.

- تحسين موقع البحرين الدولي في ملفات الحوكمة وحقوق الإنسان، بما يفتح آفاق التعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين.قد يجادل البعض بأن الطريق ما زال طويلاً نحو بناء مجتمع مدني مكتمل الأركان، لكن قراءة المشهد ضمن سياق إقليمي يرزح تحت الصراعات والانقسامات، تجعل من التجربة البحرينية نموذجاً متقدماً في إدارة التغيير التدريجي. فالقوة الناعمة للدولة لا تقاس فقط بثرواتها، بل بقدرتها على توليد توافق اجتماعي مستدام.

حجر الزاويةإن التجربة البحرينية، وهي تتقدم بخطوات ثابتة نحو رؤية 2030، والعمل على رؤية 2050 تؤكد أن تمكين المجتمع المدني وتعزيز حقوق الإنسان ليسا مجرد شعارات، بل هما حجر الزاوية في صون الاستقرار وترسيخ التنمية المستدامة. فالدولة التي تبني شرعيتها على الثقة المتبادلة مع مواطنيها، وتستثمر في إشراكهم في صناعة المستقبل، هي الدولة القادرة على مواجهة تقلبات الإقليم وتحويل التحديات إلى فرص. وهنا تبرز البحرين كنموذج خليجي فريد، يوازن بين الحداثة والهوية، ويؤسس لمرحلة يكون فيها المجتمع المدني شريكاً أصيلاً في حماية مكتسبات الوطن.