د. جاسم حاجي
مع تزايد اعتماد الذكاء الاصطناعي كعنصر مركزي في استراتيجيات الأعمال، اتسعت رقعة الحلول المتاحة بشكل سريع، مما جعل عملية التقييم أكثر تعقيداً في ظل ساحة مزدحمة بمزودي الخدمات الذين تختلف أدواتهم بشكل كبير من حيث القدرات، النهج، والقيمة طويلة الأجل. ورغم ما يَعد به العديد من المزودين من أتمتة ذكية وأداء قائم على البيانات، تكمن التحديات الحقيقية في التمييز بين الحلول القائمة فعلاً على التعلم الآلي وتلك التي تعيد تغليف الأتمتة التقليدية تحت شعار الذكاء الاصطناعي.
يضم السوق طيفاً واسعاً من المزودين؛ فبعضهم يوفر تكاملاً سريعاً من خلال شراكات تجارية، مقدمًا منصات جاهزة للاستخدام مع أدنى مستوى من الاضطراب، في حين يفضل البعض الآخر تطوير الحلول داخلياً، مانحين المؤسسات تحكماً كاملاً، ولكن مع متطلبات فنية كبيرة. وغالباً ما تقدم الشركات الناشئة أدوات متقدمة تقنياً لكنها تفتقر إلى النضج أو الدعم المؤسسي اللازم للبنية التحتية. أما شركات تكامل الأنظمة فلديهم خبرة في عمليات النشر المعقدة، لكنهم غالباً ما يفضلون الحلول الموحدة على حساب التخصيص، مما يصعّب تلبية الاحتياجات الدقيقة أو دمج الحلول بسلاسة مع الأنظمة الحالية.
في ظل هذا التنوع، تبقى مهمة تقييم العمق الفعلي لقدرات الذكاء الاصطناعي أمراً حاسماً. فالكثير من الحلول التي تُسوق على أنها «مدعومة بالذكاء الاصطناعي» تعتمد في الواقع على قواعد محددة مسبقاً أو أتمتة بسيطة، بدلاً من التعلم التكيفي الحقيقي. فعلى سبيل المثال، كثيراً ما يُنظر إلى أنظمة الرد التلقائي على البريد الإلكتروني أو التنبيهات القائمة على القواعد على أنها أنظمة ذكية، رغم افتقارها إلى آليات التعلم المستندة إلى البيانات. ويكمن التحدي هنا في التمييز بين التقنيات القادرة على التعلم والتطور، وتلك التي تنفذ تعليمات ثابتة خلف واجهات مستخدم براقة. فالحلول التي تبدو ذكية قد لا تكون قادرة على التكيف مع أنماط جديدة أو تغييرات في البيانات أو التحولات في سياق العمل.
وعلاوة على الجوانب الفنية، يتطلب نشر الذكاء الاصطناعي جاهزية تشغيلية شاملة تشمل حوكمة بيانات قوية، وإشرافاً أخلاقياً، وحماية خصوصية، وتدريباً للمستخدمين. وتزداد هذه المتطلبات تعقيداً في القطاعات المنظمة، حيث تفرض المعايير الدولية والتشريعات المحلية قيوداً صارمة قد لا يكون جميع المزودين مؤهلين للامتثال لها. كما ينبغي أن تراعي الحلول القيود المؤسسية من جوانب فنية، قانونية واستراتيجية، بدلاً من تبني نهج موحد لا يراعي الخصوصية. وغالباً ما تبدأ المشاريع الناجحة بفهم عميق للسياق التجاري وتخطيط مدروس لربط النتائج المرجوة بالإمكانات المتاحة للبنية التحتية.
وبعد التنفيذ، تفرض أنظمة الذكاء الاصطناعي متطلبات مستمرة تختلف عن البرمجيات التقليدية. فالرصد المستمر لانجراف النماذج، والحفاظ على جودة البيانات، وتحديث معايير الأداء، وإعادة تدريب النماذج بناءً على تغير الاحتياجات، كلها أمور أساسية. كما أن الأمان يمثّل تحدياً فريداً في هذا السياق، إذ تظهر تهديدات مثل التلاعب العدائي، والتحيز في النتائج، وتسرب البيانات، مما يتطلب تعاملاً استباقياً. وغالباً ما تقلل المؤسسات من تقدير الموارد المطلوبة لإدارة هذه التحديات طويلة المدى، خاصة عند الاعتماد على مزودين يفتقرون إلى البنية التحتية الداعمة أو الخطط الشفافة.
ومع تسارع وتيرة الابتكار في الذكاء الاصطناعي، ينبغي على المؤسسات ألا تقتصر نظرتها على القدرات الحالية للحلول، بل أن تقيّم مدى قدرتها على مواكبة تحديات المستقبل. فالنهج المبني على التطوير المخصص والموجّه للاحتياجات الحقيقية غالباً ما يثبت فعاليته واستدامته مقارنة بالمنصات العامة. ومن خلال التركيز على مدى توافق الحلول مع الأهداف الواقعية بدلاً من الانبهار بالميزات السطحية، يمكن للمؤسسات تحقيق اعتماد ناجح للذكاء الاصطناعي يتسم بالمرونة، والجدوى، والاستدامة بعيداً عن ضوضاء المصطلحات الشائعة في السوق.