تواجه البحرين اليوم معادلة صعبة تتمثل في احتياجات متنامية للطاقة في مقابل مخزون متواضع من النفط والغاز الطبيعي. ومع استمرار النمو الاقتصادي وارتفاع عدد السكان، يزداد الضغط على مصادر الطاقة المحدودة، فيما تفرض علينا الاتفاقيات الدولية التزامات للوصول إلى صافي الانبعاثات الصفري؛ مما يعني التراجع شيئاً فشيئاً عن استخدام الوقود الأحفوري واللجوء إلى مصادر طاقة نظيفة. وفي ظل هذه المعطيات، لم يعد الحديث عن بدائل الطاقة رفاهية فكرية، بل أصبح ضرورة استراتيجية تمس السيادة والأمن الاقتصادي.
جلسة «المسارات المستقبلية للطاقة النووية في مملكة البحرين»، التي نظمها مركز (دراسات)، جاءت في توقيت حساس؛ فقد طرحت خياراً يبدو متوازناً وهو الجمع بين الطاقة المتجددة - مثل الطاقة الشمسية والتي أعلن مؤخراً عن تنفيذ أول محطة مستقلة لها في جنوب البحرين بقدرة تصل إلى 150 ميغاوات - والطاقة النووية كمصدر تكميلي، على أن يكون الاعتماد في هذا الجانب على المفاعلات النووية الصغيرة(Small Modular Reactors – SMR).
المفاعلات الصغيرة مناسبة أكثر للواقع المحلي من المفاعلات التقليدية الضخمة؛ فهي أصغر حجماً، وتحتاج إلى مساحات أمان أقل، ويمكن بناؤها وتشغيلها في غضون ثلاث سنوات فقط، مقارنة بسبع إلى عشر سنوات للمفاعلات التقليدية. إضافة إلى ذلك، يمكنها إنتاج الكهرباء وتحلية المياه بكفاءة، مع معايير أمان وسلامة أعلى وتكاليف أقل نسبيًا.
لكن، وكما هي الحال في أي مشروع استراتيجي، توجد تحديات مطلوب تخطيها وأبرزها أن تصميمات المفاعلات الصغيرة كثيرة وغير موحدة، مما يضع المشتري (في هذا الحال البحرين) في حيرة حول اختيار الدولة المناسبة لتصنيع المفاعل وأفضل شركة تشرف على تصميمه. أيضاً، أظهرت تجارب الصين وروسيا والأرجنتين أن التكلفة قد تقفز إلى ثلاثة أضعاف أو أكثر خلال فترة بناء المفاعل، وهي مخاطرة مالية لا يمكن تجاهلها. ثم هناك تحديات تجهيز البنية التحتية، وإعداد وتثقيف المجتمع حول الطاقة النووية من مؤسسات وأفراد وغيرهم، وكذلك سن التشريعات المحلية لتنظيم عمل المفاعل، وإيجاد آلية للتخلص من المخلفات الإشعاعية، وهي مهام تحتاج إلى سنوات من التحضير والاتفاق المجتمعي.
حتى فكرة الموقع تثير تساؤلات؛ فهل نقتطع مساحة من أراضينا المحدودة في الجنوب، أم ننشئ جزيرة اصطناعية، أم نستعين ببارجة تحتضن المفاعل وترسو في مياهنا الإقليمية، كما تفعل روسيا في القطب الشمالي؟ كل خيار له كلفة ومخاطر مختلفة، ولا يمكن الوصول إلى قرار حاسم قبل الخوض في دراسات تقنية واقتصادية معمقة.
ومع ذلك، تبقى الحقيقة الثابتة أن تأمين مصادر الطاقة مسألة سيادية لا يمكن التفريط فيها أو تركها للصدفة. وسواء اخترنا المفاعل النووي الصغير أم اتجهنا لمسارات أخرى، فإن البحرين تسعى اليوم إلى البحث الجاد، ووضع الخطط، واتخاذ القرارات التي تضمن أمنها في مجال الطاقة لعقود قادمة.