هناك عالم موازٍ يعيش بيننا، لا تراه العيون ولا تتحسسه الأيدي، ولكنه أصبح جزءاً لا يتجزأ من يوميات أي إنسان طبيعي. إنه المجتمع الافتراضي، ذلك الفضاء الواسع الذي منح مستخدميه المساحة والحرية والشعور بأمانٍ زائف كما يتوهمون، حتى غدا واقعاً لا يقل تأثيراً عن الواقع الحقيقي. لكن هذا العالم، بكل بريقه، لا يزال بعيداً عن الضبط والانضباط، في ظل غياب قانون خاص ومفصل يضع له الحدود، ويحمي قيم مجتمعنا وعاداتنا.
وكما هو الحال في أي بيئة مفتوحة بلا رقابة، لا يطفو على السطح إلا الزبد. وفي هذا الفضاء يطفو على السطح من لا يستحق، ليقدَّم للجمهور كـ«مشهور»! شخصيات سطحية تصنع لنفسها هالة مصطنعة، وتحمل ألقاباً صاغتها الجموع الإلكترونية، وكأنها صفة تضاهي مكانة أكاديمية مثل الدكتور أو العالم أو الفنان أو الإعلامي الذي يقدم محتوى يليق بالمجتمع.
لكن كثيراً منهم –وأقول كثيراً لا كلهم– لا يقدمون إلا محتوى هابطاً ومخزياً، بعيداً عن أخلاق المجتمع البحريني والعربي. سقوطٌ وتعرٍ في الألفاظ والأفعال وخروجٌ عن المألوف. يحرصون معه على إخفاء أسمائهم الحقيقية، ويتجنبون أي إشارة إلى عائلاتهم، لماذا؟ ليس حمايةً لهم، بل هرباً من أن يُلحقوا العار بأسرهم، بينما لا يجدون غضاضة في تلويث اسم الوطن نفسه!
ترى أحدهم أو إحداهن يضع أمام اسمه المستعار صفة «بحريني»، وكأن الانتماء للوطن سلعة يزين بها صفحته. المهم أن يبقى اسم العائلة بعيداً عن العار، أما الوطن وأبناؤه فليتحملوا ما شاء من التشويه!ومن يمارس تشويه اسم البحرين ليس بأفضل ممن يضع يده في يد الأعداء، أو يخون الوطن أو يبيعه، فهؤلاء جميعاً هانت عليهم البحرين وباعوا اسمها وسمعتها مقابل حفنة من المغريات.
والأخطر من ذلك أن هذا المحتوى الهابط يُعاد تدويره في أذهان الشباب والمراهقين، فيتشكل وعيهم على معايير مشوهة، يظنون أنها الطريق إلى النجاح والشهرة، بينما هو في الحقيقة طريق نحو الانحطاط وفقدان البوصلة الأخلاقية.
إن مملكة البحرين تزخر بأسماء ترفع الرأس، شخصيات صنعت مجداً وفخراً، ومع ذلك تعتبر أن اسم البحرين أكبر من أن يُستخدم لتلميع الذات. أما أولئك «المشاهير» المهووسون بالمال والشهرة، فليس من حقهم أن يربطوا اسم البحرين بمحتوى هابط، أو أن يختبئوا خلف راية الوطن ليخفوا خواءهم الأخلاقي والفكري.
محاربة هؤلاء ليست مهمة فردية، بل هي مسؤولية مشتركة بين المجتمع الذي يرفعهم فوق حجمهم بمتابعتهم والتفاعل معهم، ومؤسسات الدولة التي يقع على عاتقها حماية أخلاق المجتمع واسم البحرين من هذه التفاهة والقذارة. فالسكوت عن هذا الانحطاط يعني السماح له بأن يصبح جزءاً من صورتنا أمام العالم، والبحرين أكبر من أن تصبح مسرحاً لرقص التافهين.