«نخشى أن يموت سكان عزة في صمت، دون أن يسمع بهم أحد»، كان هذا تعليق مدير مجمع الشفاء الطبي بعد أقل من ساعة من استشهاد الصحافيين أنس الشريف (29 عاماً) ومحمد قريقع (31 عاماً) مع 5 صحفيين آخرين، في استهداف إسرائيلي لخيمة الصحفيين في ساحة مستشفى الشفاء في قطاع غزة.
استهداف الصحفيين في ساحة مستشفى الشفاء، كان متعمداً، حسب بيان لجيش الاحتلال، والذي أقر بالمسؤولية عن عملية الاغتيال، بهدف منع العالم من مشاهدة تفاصيل جريمة الإبادة التي تطال الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ 23 شهراً.
ما جرى ويجري في غزة باستهداف الصحفيين ليس محاولة لإخماد الصوت، وإنما محاولة لتخويف كل من يحاول نقل الحقيقة.
الحرب في غزة سجلت لغاية اليوم استشهاد أكثر من 250 صحفياً، وهو أعلى رقم لقتل الصحفيين على الإطلاق في تاريخ الحروب في العالم، بما فيها الحربان العالميتان الأولى والثانية وحرب فيتنام والحرب الكورية والحرب في أوكرانيا معاً.
بعد كل هذه الحقائق، لا يمكن لأي كلمة أن تعبر عن حجم الجريمة التي ترتكب في قطاع غزة، والتي لم تكتفي باستهداف البشر والحجر والشجر، بل تواصلت لاغتيال الحقيقة، والتي أصبحت اليوم معروفة للعالم.
سأتوقف هنا عند مقتطفات من وصية الصحفي أنس الشريف، والتي كتبها في مايو الماضي، مستشعراً بأنه سيكون مشروع شهيد، خصوصاً بعد التهديدات التي وصلته من جيش الاحتلال.
يقول أنس الشريف في وصيته..
«يعلم الله أنني بذلت كل ما أملك من جهدٍ وقوة، لأكون سنداً وصوتاً لأبناء شعبي، مذ فتحت عيني على الحياة في أزقّة وحارات مخيّم جباليا للاجئين، وكان أملي أن يمدّ الله في عمري حتى أعود مع أهلي وأحبّتي إلى بلدتنا الأصلية عسقلان المحتلة «المجدل» لكن مشيئة الله كانت أسبق، وحكمه نافذ.
عشتُ الألم بكل تفاصيله، وذُقت الوجع والفقد مراراً، ورغم ذلك لم أتوانَ يوماً عن نقل الحقيقة كما هي، بلا تزوير أو تحريف، عسى أن يكون الله شاهداً على من سكتوا ومن قبلوا بقتلنا، ومن حاصروا أنفاسنا، ولم تُحرّك أشلاء أطفالنا ونسائنا في قلوبهم ساكناً، ولم يُوقِفوا المذبحة التي يتعرّض لها شعبنا منذ أكثر من عام ونصف.
أوصيكم بفلسطين، درةَ تاجِ المسلمين، ونبضَ قلبِ كلِّ حرٍّ في هذا العالم.. أوصيكم بأهلها، وبأطفالها المظلومين الصغار، الذين لم يُمهلهم العُمرُ ليحلموا ويعيشوا في أمانٍ وسلام، فقد سُحِقَت أجسادهم الطاهرة بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ الإسرائيلية، فتمزّقت، وتبعثرت أشلاؤهم على الجدران.
أوصيكم ألّا تُسكتكم القيود، ولا تُقعِدكم الحدود، وكونوا جسوراً نحو تحرير البلاد والعباد، حتى تشرق شمسُ الكرامة والحرية على بلادنا السليبة» (انتهى).رحم الله شهداء الصحافة وكل شهداء فلسطين..