فواز العبدالله
تخيل أن تبدأ يومك بقراءة خبر متداول على نطاق واسع في كافة مواقع التواصل مفاده أن إحدى القطط شوهدت وهي ترقص، لترصد بعده آلاف الفيديوهات التي تتنوع ما بين مكذب ومصدق، وبين من يحلل الواقعة من منظور نفسي وبين من يتناولها من جانب حيواني، ويكثر الجدل، ويبدأ معه الناشطون في محاولة اللحاق بركب الخبر (الترند)، فمنهم من يبدأ في المأمأة، ومنهم من يرتدي زي الهررة.
هذا ما يسمى بالإعلام الجديد أو الرقمي أو الحديث، ألصقوه عنوة بالإعلام، الإعلام الذي عرف عنه بالرصانة والعقلانية والمؤثر الإيجابي وصاحب الرسالة والهدف، كيف نسمي تلك السخافات إعلاماً، فالإعلام الحقيقي الذي تعرفه وليكن التلفزيون كمثال وهو ذراع من أذرع وزارة الإعلام لا يبث خبراً إلا بعد أن يمر على جهات عدة مسؤوليتها التدقيق والتأكد والمراجعة ومدى الأهمية والتأثير، وكذلك الإعلام المكتوب الذي يتمثل بالصحف، ولا ينشر حرف من خلاله إلا بعد المرور بالمراجعة والتدقيق وعدد من التوقيعات تبدأ من محرر الصفحة، وتنتهي عند رئيس التحرير.
الإعلام الرصين يمر بمراحل هامة قبل النشر، ولكن في المقابل هناك وسيلة لا تشترط سوى ضغطة زر من شخص غير مكترث لأهمية المحتوى ولربما كان مستواه العقلي والفكري لا يؤهلانه حتى لاستخدام الهاتف فما بالك وهو يتحكم في الرأي العام، وكيف لإعادة النشر أن تساهم في إيصال هذا المحتوى الذي أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه هابط، أن تساهم في تغيير عقول الأجيال، وتدني الفكر والأسلوب.
قرأت في المقالات الصحفية خلال الفترة الماضية العديد من الانتقادات التي تناولت رقص أحد مشاهير تلك المواقع في إحدى الحفلات الغنائية، وكذلك من غرس رأسه في المرحاض بهدف الوصول إلى أكبر نسبة من المشاهدات، هذا هو الحال بالضبط، إذا ما استمر صمتنا، فسنكون كمن يرقص شبه عارياً، ويدفن رأسه بالمراحيض.
نعم الإعلام الرسمي يتم انتقاده دائماً والسبب عدم مواكبته للإعلام الجديد، وأقولها صراحة لم يظل لنا حافظاً من تلك الفوضى سوى الإعلام الرسمي الذي ينتهج النظام التقليدي، فهو الحاجز وخط الدفاع المتبقي ضد المحتوى التافه والإشاعات والفوضى في ساحات التواصل التي يقودها حالياً حفنة ممن يطلق عليهم نجوم السوشل ميديا مع احترامي للبعض الذي لم ينجر لتلك المستنقعات ومازل يحافظ، ولكن لا بد من دعوة وتحرك صادق نحو إيقاف تلك المهازل، وإلا فالخبر القادم أو الترند سيكون عن زواج قطة أو طلاق فأر.