د. سهير بنت سند المهندي

يعد اليوم العالمي للشباب الذي يصادف 12 من أغسطس مناسبة هامة للتأمل في واقع أجيال المستقبل، التي تمثل عماد بناء الحضارات وصياغة ملامح الغد، الحديث عن الشباب يتجاوز مجرد الأرقام والإحصائيات، ليصبح استكشافاً عميقاً لقدرات الطاقات البشرية التي تستطيع دفع المجتمعات نحو التقدم، رغم التحديات الكبيرة التي تواجه العالم اليوم، تشير تقارير الأمم المتحدة إلى وجود أكثر من 1.2 مليار شاب تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً، يشكلون حوالي 16% من سكان العالم، معظمهم يعيش في دول نامية تواجه تحديات مثل ارتفاع معدلات البطالة التي تصل إلى 14% عالمياً بين الشباب، وهي نسبة تفوق ثلاث مرات معدل البطالة بين الكبار، كما يظهر تقرير منظمة العمل الدولية أن حوالي 267 مليون شاب لا يعملون ولا يدرسون أو يتلقون تدريباً، ما يعكس فجوة تنموية تعيق التنمية المستدامة.

في ظل هذه التحديات، تبرز مملكة البحرين كنموذج وطني متقدم يركز على تمكين الشباب باعتبارهم قوة محركة للتنمية، وفقاً لتقرير وزارة شؤون الشباب والرياضة لعام 2024، تجاوزت نسبة مشاركة الشباب البحريني في سوق العمل 60%، متفوقة على المتوسط الإقليمي الذي يبلغ حوالي 53%، كما تشير إحصائيات مركز الخليج للابتكار إلى أن 28% من الشركات الناشئة في البحرين مملوكة لشباب، مقابل 15% في المتوسط الخليجي، ما يعكس نجاح الاستراتيجية الوطنية في دعم ريادة الأعمال والابتكار بين الشباب، ومن اللافت أيضاً ارتفاع نسبة النساء الشابات العاملات إلى 47%، مما يعكس رؤية شاملة تمكّن جميع الفئات.

هذه الإنجازات لم تأتِ صدفة، بل هي نتاج استراتيجية وطنية متقدمة قادتها القيادة البحرينية، والتي تضمنت تطوير التعليم النوعي، التدريب المهني المستمر، وتعزيز ثقافة الابتكار الرقمي، أطلقت البحرين برنامج «الشباب والابتكار الرقمي» لتدريب أكثر من 10000 شاب سنوياً على مهارات الذكاء الاصطناعي والتقنيات الحديثة، بالتعاون مع مؤسسات دولية، كما حسنت السياسات الخاصة بسوق العمل لتشجيع ريادة الأعمال وتسهيل تأسيس المشاريع الصغيرة، مما خلق بيئة حاضنة للمنافسة العالمية.

بالمقارنة مع دول أخرى ذات تحديات مشابهة، تبرز البحرين كنموذج متكامل يربط بين تمكين الشباب والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وهو نموذج يُحتذى به إقليمياً وعالمياً، في هذا اليوم العالمي، يتوجب على الدول إعادة تقييم أولوياتها لضمان توفير بيئة شاملة تدعم التعليم والتدريب والتوظيف للشباب، لأنهم الركيزة الأساسية لاستقرار وتقدم الأمم.

يبقى الشباب نبض الأمة وروحها الحية، والرهان الحقيقي عليهم لبناء مستقبل أكثر عدلاً وازدهاراً، ما حققته البحرين ليس مجرد أرقام، بل دليل على قوة التخطيط الحكيم والرؤية الاستشرافية في بناء أجيال قادرة على مواجهة تحديات الغد بثقة واقتدار، فاليوم العالمي للشباب هو دعوة متجددة لكل مجتمع وحكومة لتمكين شبابها، لأنهم أساس القوة والتغيير الحقيقي.* إعلامية وباحثة أكاديمية