لست من محبي الأرقام، ولا أفقه كثيراً في تفاصيل النسب والارتفاعات والانخفاضات خصوصاً في التقارير الاقتصادية، لذلك سأتحدث اليوم حسب ما أملك من معلومات، مستعينة بصديقي «جوجل» لسبر غور ما يمكن أن يستعصي عليّ، وعلى بعض القراء أمثالي فهمه. أسوق هذه المقدمة وأنا أتنقل بين الأرقام والنسب التي نشرتها وزارة المالية والاقتصاد الوطني ضمن التقرير الفصلي لمملكة البحرين للربع الأول من العام الجاري، والتي تشير إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأول من العام بنسبة 2.7%، مدفوعاً بنمو الأنشطة النفطية وغير النفطية، ما يعني زيادة قيمة السلع والخدمات التي أنتجتها الدولة خلال الفترة المذكورة.
لكن خلف هذه الأرقام الجافة، تختبئ حكاية نجاح حقيقية، حكاية بلد يمضي بخطى ثابتة نحو تنويع اقتصاده، وكأنه يزرع بذوراً جديدة في أرض خصبة، فهذا النمو في مختلف مجالات الاقتصاد الوطني يمثل انعكاسا لرؤية وطنية تعمل على تقليل الاعتماد على مصدر واحد للدخل، وتفتح أبواب الاستثمار أمام العالم، ليصبح الاقتصاد البحريني أكثر مرونة وصلابة في مواجهة تقلبات السوق.
ما لفت انتباهي في التقرير هو أن 84.8% من الناتج المحلي الإجمالي جاء من الأنشطة غير النفطية، وهو رقم يثير الإعجاب ويدعو للتفاؤل؛ من قطاع السياحة والضيافة الذي قفز بنسبة 10.3%، إلى القطاع المالي والتأمين الذي واصل تألقه بنمو 7.5%، مروراً بقطاع البناء والتعليم، وحتى الأنشطة المهنية والعقارية والتجارة التي تسير بخطوات ثابتة نحو الأمام، حيث تمثل هذه الأرقام دلائل حقيقية على أن عجلة الاقتصاد تدور في كل الاتجاهات.
وحسب التقرير؛ فإن الاستثمار الأجنبي المباشر، فقد نما بنسبة 3.5% ليصل إلى 17.1 مليار دينار بحريني، وهو ما يعني أن ثقة المستثمرين بالاقتصاد البحريني ليست وليدة اللحظة، بل ثمرة لسياسات اقتصادية مدروسة وبيئة أعمال جاذبة، حيث يجد المستثمرون أرضاً آمنة وبنية تحتية قوية وتشريعات عصرية وأفقاً واسعاً للنمو والتطور في كل المجالات، مع دعم رسمي وترحيب واحتضان شعبي.
إن ما تقوم به البحرين اليوم من تنويع لمصادر الدخل، واستقطاب للاستثمارات، وتحسين لمستوى الخدمات والبنية التحتية، يمثل مشروعا وطنيا يستهدف تحسين حياة المواطن أولاً وأخيراً، فكل زيادة في الناتج، وكل فرصة عمل جديدة، وكل استثمار يدخل البلاد، هو خطوة إضافية نحو رفاهية الفرد واستدامة الاقتصاد.
وأخيرا، أكرر وكما بدأت مقالتي، بأنني لست مهووسة بالأرقام، لكنني أؤمن أن وراء كل رقم قصة، ووراء كل نسبة مئوية جهد، ووراء كل تقرير اقتصادي مستقبل جديد، والبحرين اليوم تكتب فصول هذا المستقبل بثقة، وهي تمضي قدماً نحو اقتصاد متنوع وقوي، يحمل الخير لأبنائه ويمد جذوره إلى أبعد مدى.