- «أنس الشريف» اسم لامع في ميدان العطاء والتضحية، بزغ نجمه رحمه الله منذ نعومة أظفاره، وعاش أصداء العديد من الحروب والعدوان القاتل على غزة، إلى أن أضحى أسداً هصوراً، وقلباً جسوراً، وجبلاً شامخاً، ونفساً عزيزة، وتضحية وإباءً، وأثراً وعطاءً في نقل الحقيقة للعالم، ولم يتوقف لحظة واحدة حتى أوج القصف الصهيوني المميت، حتى اختار أن يعيش داخل خيمة صغيرة مع زملائه أمام مستشفى الشفاء، وهو يعلم أنها مهمة في غاية الخطورة.
اسم «أنس» لم يتوقف بعد استشهاده رحمه الله، بل ظل الجميع يتحدث عنه ويتذكره، وكأنه هو الشهيد الوحيد. ولكن هناك أسراراً خفية بينه وبين المولى الكريم لم تظهر للعيان، كما أن الكلمات المؤثرة التي سجلها وكتبها قبل استشهاده بشهور معدودة، وكان يُجهزها للنشر بعد رحيله، تحمل دروسًا وعظات في كل كلمة كُتبت.
هناك رسائل ربانية تصل إلينا بين الفينة والأخرى عن طريق شخصيات، يتجدد معهم الإيمان، وتتجدد معهم معاني العطاء والتغيير. من يعيش على أرض غزة، بلا شك، يعيش لله تعالى وحده، وهو يعلم في أي لحظة قد يرحل تاركاً خلفه إرثاً وأثراً من الخير والعطاء والبذل والتضحية. «أنس» سيكون منهجاً يُدرس للحياة، كمثل غيره، أعطى وأثر وأوصل رسالته كخليفة الله تعالى في أرضه. تقبّل الله عطاءك وأثرك يا أنس، وتقبلك في الصالحين الأبرار.
- ورد في كتاب التوبيخ والتنبيه للأصبهاني: «قال بكر المُزني: احملوا إخوانكم على ما كان فيهم، كما تُحبّون أن يحملوكم على ما كان فيكم، فليس كل من رأيت منه سقطة وقع من عينك!».
دلالات تحمل معانٍ جميلة، نتشرب معانيها في كل مواقف الحياة، وبخاصة مع أحبابنا ومُحبّينا، أهلنا أولاً، ثم الصحبة والأحباب، فكما نحب أن يُلتمس لنا الأعذار عند الزلل والنقيصة، فيجدر أن نبحث عن العذر لهم عندما يقعوا في ذلك. كلنا عرضة للأخطاء، وليس من الصواب أن نشدّد ونغلظ في الرد بمكيالين، شريطة ألا يكون الطرف الآخر قد وقع في جرم كبير، ووقع في جريرة ربما تُخلخل ميزان الحياة لدى غيره.
وفي نهاية المطاف تبقى مقومات وأولويات الأخوة والمحبة عند الأقرباء والأصحاب هي المقدمة في تصحيح العلاقات، فلا تنفك أواصرها بمجرد السقطات أو الهفوات البسيطة، فكلنا معرضون للزلل، والكيّس من عرف العودة سريعاً لذاته، فلم يدم طويلًا في حزنه، بل أسقط الهم الثقيل من على كاهله، ومضى سعيداً يلتمس دروب الخير.
- ما يشغل المرء أحياناً، هو كيف يؤمن بأقدار الله تعالى وأرزاقه، وقدرته عز وجل على أن يُغير الأحوال وأن يُبدلها.
هناك من يتململ ويتضجر ويسأم من أحوال الحياة، ويسأم من ظروف العيش أحياناً، ويسأم من محن وابتلاءات، ومن بعض الأوجاع العارضة، ويفكر ملياً في ظروفه وظروف عائلته، فيظل منكس الرأس مُنعزلاً عن أهله وأحبابه، يستسلم للظروف، ويعيش محنته بنفسه، فتؤثر عليه سلباً في العيش بسلام في هذه الحياة، بل وأن يكون قريباً من مولاه سبحانه وتعالى.
هناك ميزان دقيق لمثل هذه الأمور، ترجع أولاً وأخيراً إلى علاقتنا مع الملك الديان، فهي التي تؤثر على منهجية الحياة، وتؤثر على إيمانك ويقينك بتوابع الأحداث، وكيفية العيش بسلام في هذه الدنيا، وكيفية الخروج منها بسلام، فهو إيمان يجب أن نلبسه بيقين وثقة بما عند الله تعالى، وبما يكتبه ويُقدره، وبكل توفيق ونجاح نمر فيه. القرب من الله تعالى بشتى الطاعات، أمر يدفع قلوبنا لتكون في معية الله تعالى وحفظه، بصلاة وقراءة القرآن وتسبيح وذكر وصدقة وحج وعمرة، ويتوازن معه أعمال الخير وشمولية العبادة في الحياة كلها.
لذا راجع إيمانك بتمحيص قلبك. يقول الأصبهاني: «إن الله جعل قوّة المؤمن في قلبه، ولم يجعلها في أعضائه! ألا ترى أن الشيخ يكون ضعيفاً يصوم ويقوم، والشاب يعجز عن ذلك؟».
- ما أجمل تلك القلوب الجميلة الهادئة الساكنة، التي تعيش معها بحُب وسلام وهدوء، تُحبها لأنها تعطيك الأمل في أيام الحياة، وتهدأ من روع الهموم والأحزان، وتمسح على رأسك عندما تتكالب عليك الظروف، وتصبح حينها غير قادر على حراك الحياة الإيجابي.
تُحب تلك القلوب التي تبتسم لك عندما تكون غاضباً من أمر ما، وتصمت عندما تتحدث عن مشاعرك تجاه شواهد الأيام، فتتعامل معك بحب، وتعطيك إياه على هيئة أحاسيس دافئة، وأجملها أن تذكّرك «بالله تعالى وحده»، وأن ما عند الله تعالى خير وأبقى، وما سوى ذلك فهو يذهب مع أدراج الرياح! قلوب مُعلقة ببارئها ساكنة هادئة مريحة في تعاملها، تتعامل مع الآخرين بأخلاقها، تُسهل الأمور ولا تُصعّبها، تنظر بمنظور القرآن، برسائل قرآنية مؤثرة، تطمئن فؤادك عندما يُزعجك الآخرون، وتصلك وتوفي بمحبتك في كل محطات الحياة.. قلوب هي «قطعة من الجنة» ونسمة حب لا تتكرر في حياتك، فهي التي تحتضنها دائماً، وتجعلها في «قائمة الأوفياء» الذين يستثمرون كل لحظات الأيام لتعيش معك في سعادة وهناء قبل أن تأتي لحظات الرحيل المحتومة.
ومضة أملنبحث عند كل زاوية من زوايا الأيام عن تلك الأعمال والمواقف التي تزيد من «دعوات الآخرين لنا»، فكلما زدت من فضائل الأعمال، كلما زادت الدعوات، وزاد أمان نفسك. جميل أن نتعامل بالدعاء، نتشافى به، ونطمئن نفوسنا، ونتواصى به. اصنع أثرك الجميل الإيجابي في نفوس الآخرين «بدعوات من القلب إلى القلب».